البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ} (104)

السجل : الصحيفة .

وقيل { يوم نطوي السماء } ذكره مكي .

{ وتتلقاهم الملائكة } بالسلام عليهم .

وعن ابن عباس : تلقاهم الملائكة بالرحمة عند خروجهم من القبور قائلين لهم { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } بالكرامة والثواب والنعيم .

وقرأ أبو جعفر { لا يحزنهم } مضارع أحزن وهي لغة تميم ، وحزن لغة قريش ، والعامل في يوم { لا يحزنهم } و { تتلقاهم } وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلاً من العائد المحذوف في { توعدون } فالعامل فيه { توعدون } أي أيوعدونه أو مفعولاً باذكر أو منصوباً بأعني .

وأجاز الزمخشري أن يكون العامل فيه { الفزع } وليس بجائز لأن { الفزع } مصدر وقد وصف قبل أخذ معموله فلا يجوز ما ذكر .

وقرأ الجمهور { نطوي } بنون العظمة .

وفرقة منهم شيبة بن نصاح يطوي بياء أي الله ، وأبو جعفر وفرقة بالتاء مضمومة وفتح الواو و { السماء } رفعاً والجمهور { السجل } على وزن الطمر .

وأبو هريرة وصاحبه وأبو زرعة بن عمرو بن جرير بضمتين وشد اللام ، والأعمش وطلحة وأبو السماك { السجل } بفتح السين والحسن وعيسى بكسرهما ، والجيم في هاتين القراءتين ساكنة واللام مخففة .

وقال أبو عمر : وقراءة أهل مكة مثل قراءة الحسن .

وقال مجاهد { السجل } الصحيفة .

وقيل : هو مخصوص من الصحف بصحيفة العهد ، والمعنى طياً مثل طي السجل ، وطي مصدر مضاف إلى المفعول ، أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة ، والأصل { كطيّ } الطاوي { السجل } فحذف الفاعل وحذفه يجوز مع المصدر المنحل لحرف مصدري ، والفعل ، وقدره الزمخشري مبنياً للمفعول أي كما يُطْوَى السجل .

وقال ابن عباس وجماعة { السجل } ملك يطوى كتب بني آدم إذا رفعت إليه .

وقالت فرقة : هو كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذين القولين يكون المصدر مضافاً للفاعل .

وقال أبو الفضل الرازي : الأصح أنه فارسي معرب انتهى .

وقيل : أصله من المساجلة وهي من { السجل } وهو الدلو ملأى ماء .

وقال الزجاج : هو رجل بلسان الحبش .

وقرأ الجمهور : للكتاب مفرداً وحمزة والكسائي وحفص { للكتب } جمعاً وسكن التاء الأعمش .

وقال الزمخشري : { أول خلق } مفعول نعيد الذي يفسره { نعيده } والكاف مكفوفة بما ، والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيهاً للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء فإن قلت : وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه قلت : أو له إيجاده من العدم ، فكما أوجده أولاً عن عدم يعيده ثانياً عن عدم .

فإن قلت : ما بال خلق منكراً ؟ قلت : هو كقولك : هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلاً رجلاً فكذلك معنى { أول خلق } أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع ووجه آخر ، وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده وما موصولة ، أي نعيد مثل الذي بدأناه { نعيده } و { أول خلق } ظرف لبدأناه أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى انتهى .

والظاهر أن الكاف ليست مكفوفة كما ذكر بل هي جارة وما بعدها مصدرية ينسبك منها مع الفعل مصدر هو في موضع جر بالكاف .

و { أول خلق } مفعول { بدأنا } والمعنى نعيد أول خلق إعادة مثل بدأتنا له ، أي كما أبرزناه من العدم إلى الوجود نعيده من العدم إلى الوجود .

في ما قدره الزمخشري تهيئة { بدأنا } لأن ينصب { أول خلق } على المفعولية .

وقطعه عنه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك وارتكاب إضمار يعيد مفسراً بنعيده وهذه عجمة في كتاب الله ، وأما قوله : ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره { نعيده } فهو ضعيف جداً لأنه مبني على أن الكاف اسم لا حرف ، فليس مذهب الجمهور إنما ذهب إلى ذلك الأخفش وكونها اسماً عند البصريين غير مخصوص بالشعر .

وقال ابن عطية : يحتمل معنيين أحدهما : أن يكون خبراً عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولاً على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور .

والثاني أن يكون خبراً عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ويؤيده «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً » { كما بدأنا أول خلق نعيده } وقوله { كما بدأنا } الكاف متعلقة بقوله { نعيده } انتهى .

وانتصب { وعداً } على أنه مفعول مصدر مؤكداً لمضمون الجملة الخبرية قبله { إنّا كنا فاعلين } تأكيد لتحتم الخبر أي نحن قادرون على أن نفعل