تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ} (104)

الآية 104 : وقوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } كأن هذا قد خرج على إثر سؤال سألوه على غير ابتداء ؛ لأن الابتداء بمثله على غير تقدم أمر لا يحتمل . فكأنه ، والله أعلم ، لما ذكر أهل النار في قوله : { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } إلى قوله : { أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 97 و98 ] وذكر أهل الجنة ، ووصفهم بقوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إلى آخر ما ذكر من قوله : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 101-103 ] فكأنهم قالوا : متى يكون ذلك ؟ فقال عند ذلك : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } أخبر أن السماء تطوى كما يطوي السجل الكتاب .

ثم ذكر في السماء الطي مرة والتبديل في آية أخرى بقوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] وذكر الانشقاق في [ آيات بقوله ] {[12838]} : { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] وقوله{[12839]} : { إذا السماء انشقت } [ الانشقاق : 1 ] ونحوه كما ذكر في الجبال أحوالا : مرة قال : { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } [ القارعة : 5 ] وقال في آية : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا } [ طه : 105 ] وقال في آية أخرى : { فكانت هباء منبثا } [ الواقعة : 6 ] وقال في آية أخرى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } [ النمل : 88 ] ونحوه .

فجائز أن تكون كذلك على اختلاف الأحوال على ما ذكرنا في ما تقدم ، ثم تتلاشى ، وتفنى ، حتى لا يبقى منها شيء كما ذكر { فكانت هباء منبثا } فعلى ذلك السماوات والأرضون ، تختلف عليها الأحوال على ما ذكر ، ثم آخرها التبديل كما ذكر { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] .

في{[12840]} ما ذكر في هؤلاء الآيات من تغيير الجبال والسماوات والأرضين دليل فناء هذا العالم بجملته وأسره ، لأن فناء السماوات والجبال والأرض يبعد عن أوهام الخلق ، وأما غيرها من الخلائق فإنهم يشاهدون فناءه ، فذكر فناء ما يبعد في أوهامهم ليعلموا أن هذا العالم يفنى بأسره ، ويستبدل عالما آخر ، يحتمل البقاء للجزاء ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده } هذا أيضا لا يحتمل إلا على تقدم ذكر ؛ فهو محتمل ما ذكرنا مما سبق من ذكر أهل الجنة وأهل النار . فقالوا : كيف يحيون ؟ فقال{[12841]} عند ذلك . { كما بدأنا أول خلق نعيده } .

ثم اختلف فيه : فقال بعضهم : نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم لحما ثم ننفخ فيها{[12842]} الروح .

وقال بعضهم : { كما بدأنا أول خلق نعيده } حفاة عراة على ما خلقوا في الابتداء . وقال بعضهم : { كما بدأنا أول خلق نعيده } يعني السماوات [ السبع ] {[12843]} يطويها الله ، فيجعلها سماء واحدة كما كانت أولا قبل أن يخلق منها{[12844]} ست سماوات ، والأرضين كذلك .

وجائز أن يكون ذكر هذا إخبارا أنه قادر على أن يعيدهم كما قدر على ابتداء خلقهم .

وقوله تعالى : { وعد علينا إنا كنا فاعلين } أي [ كان ] {[12845]} بعثهم وعدا علينا لا نخلف ذلك على ما قال : { إن الله لا يخلف الميعاد } [ آل عمران : 9 و . . . ] .

ثم اختلف في السجل وفي قراءته{[12846]} : قال بعضهم : السجل ، اسم رجل ، وهو كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : هو اسم الملك الذي يكتب . وقال بعضهم : السجل الصحيفة . ثم قال بعضهم : من قرأ : السجل بالتشديد{[12847]} فهو الصحيفة . ومن قرأ : السجل بالتخفيف فهو{[12848]} ملك موكل بالصحف ، اسمه{[12849]} السجل [ يقرأ : للكتاب ] {[12850]} .

قال أبو عوسجة : { كطي السجل للكتب } قال : يقال : أسْجَلتُ{[12851]} ، وسَجَّلْتُ ، أي كتبت إسجالا وتسجيلا ، وسجلت أيضا عَمِلْتُ ، وسجل خَلَقَ ، يقال : منه سجل يسجل سَجْلا ، والمساجلة المفاخرة ، ويقال : ساجلته فاخرته ، ويقال : أسجلت الكلام ، فهو مسجل ، أي أطلقته ، وأرسلته ، والله أعلم .


[12838]:في الأصل و م: آية كقوله.
[12839]:في الأصل و م: و.
[12840]:الواو ساقطة من الأصل.
[12841]:في الأصل و م: فقالوا.
[12842]:في الأصل و م: فيه.
[12843]:ساقطة من الأصل و م.
[12844]:في الأصل و م: فيها.
[12845]:ساقطة من الأصل و م.
[12846]:في الأصل و م:قراءة.
[12847]:انظر معجم القراءات القرآنية ج 4/154.
[12848]:في الأصل و م: هو.
[12849]:في الأصل و م:باسمه.
[12850]:في الأصل و م: وبقراءة الكتاب.
[12851]:في الأصل و م: أسجل.