الآية 104 : وقوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } كأن هذا قد خرج على إثر سؤال سألوه على غير ابتداء ؛ لأن الابتداء بمثله على غير تقدم أمر لا يحتمل . فكأنه ، والله أعلم ، لما ذكر أهل النار في قوله : { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } إلى قوله : { أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 97 و98 ] وذكر أهل الجنة ، ووصفهم بقوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إلى آخر ما ذكر من قوله : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 101-103 ] فكأنهم قالوا : متى يكون ذلك ؟ فقال عند ذلك : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } أخبر أن السماء تطوى كما يطوي السجل الكتاب .
ثم ذكر في السماء الطي مرة والتبديل في آية أخرى بقوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] وذكر الانشقاق في [ آيات بقوله ] {[12838]} : { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] وقوله{[12839]} : { إذا السماء انشقت } [ الانشقاق : 1 ] ونحوه كما ذكر في الجبال أحوالا : مرة قال : { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } [ القارعة : 5 ] وقال في آية : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا } [ طه : 105 ] وقال في آية أخرى : { فكانت هباء منبثا } [ الواقعة : 6 ] وقال في آية أخرى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } [ النمل : 88 ] ونحوه .
فجائز أن تكون كذلك على اختلاف الأحوال على ما ذكرنا في ما تقدم ، ثم تتلاشى ، وتفنى ، حتى لا يبقى منها شيء كما ذكر { فكانت هباء منبثا } فعلى ذلك السماوات والأرضون ، تختلف عليها الأحوال على ما ذكر ، ثم آخرها التبديل كما ذكر { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] .
في{[12840]} ما ذكر في هؤلاء الآيات من تغيير الجبال والسماوات والأرضين دليل فناء هذا العالم بجملته وأسره ، لأن فناء السماوات والجبال والأرض يبعد عن أوهام الخلق ، وأما غيرها من الخلائق فإنهم يشاهدون فناءه ، فذكر فناء ما يبعد في أوهامهم ليعلموا أن هذا العالم يفنى بأسره ، ويستبدل عالما آخر ، يحتمل البقاء للجزاء ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده } هذا أيضا لا يحتمل إلا على تقدم ذكر ؛ فهو محتمل ما ذكرنا مما سبق من ذكر أهل الجنة وأهل النار . فقالوا : كيف يحيون ؟ فقال{[12841]} عند ذلك . { كما بدأنا أول خلق نعيده } .
ثم اختلف فيه : فقال بعضهم : نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم لحما ثم ننفخ فيها{[12842]} الروح .
وقال بعضهم : { كما بدأنا أول خلق نعيده } حفاة عراة على ما خلقوا في الابتداء . وقال بعضهم : { كما بدأنا أول خلق نعيده } يعني السماوات [ السبع ] {[12843]} يطويها الله ، فيجعلها سماء واحدة كما كانت أولا قبل أن يخلق منها{[12844]} ست سماوات ، والأرضين كذلك .
وجائز أن يكون ذكر هذا إخبارا أنه قادر على أن يعيدهم كما قدر على ابتداء خلقهم .
وقوله تعالى : { وعد علينا إنا كنا فاعلين } أي [ كان ] {[12845]} بعثهم وعدا علينا لا نخلف ذلك على ما قال : { إن الله لا يخلف الميعاد } [ آل عمران : 9 و . . . ] .
ثم اختلف في السجل وفي قراءته{[12846]} : قال بعضهم : السجل ، اسم رجل ، وهو كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : هو اسم الملك الذي يكتب . وقال بعضهم : السجل الصحيفة . ثم قال بعضهم : من قرأ : السجل بالتشديد{[12847]} فهو الصحيفة . ومن قرأ : السجل بالتخفيف فهو{[12848]} ملك موكل بالصحف ، اسمه{[12849]} السجل [ يقرأ : للكتاب ] {[12850]} .
قال أبو عوسجة : { كطي السجل للكتب } قال : يقال : أسْجَلتُ{[12851]} ، وسَجَّلْتُ ، أي كتبت إسجالا وتسجيلا ، وسجلت أيضا عَمِلْتُ ، وسجل خَلَقَ ، يقال : منه سجل يسجل سَجْلا ، والمساجلة المفاخرة ، ويقال : ساجلته فاخرته ، ويقال : أسجلت الكلام ، فهو مسجل ، أي أطلقته ، وأرسلته ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.