معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

قوله تعالى : { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات } قرأ حمزة ، والكسائي ، ويعقوب : آيات وتصريف الرياح آيات بكسر التاء فيهما رداً على قوله : لآيات وهو في موضع النصب ، وقرأ الآخرون برفعهما على الاستئناف ، على أن العرب تقول : إن عليك مالاً وعلى أخيك مال ، ينصبون الثاني ويرفعونه ، { لقوم يوقنون } أنه لا إله غيره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

ثم ينتقل بهم السياق من آفاق الكون إلى ذوات أنفسهم ؛ وهي أقرب إليهم ، وهم بها أكثر حساسية :

وخلق هذا الإنسان بهذا التكوين العجيب ، وبهذه الخصائص الفريدة ، وبهذه الوظائف اللطيفة الدقيقة المتنوعة الكثيرة . خارقة . خارقة نسيناها لطول تكرارها ، ولقربها منا ! ولكن التركيب العضوي لجارحة واحدة من جوارح هذا الإنسان مسألة تدير الرأس عجباً ودهشة واستهوالاً لهذا التركيب العجيب !

إن الحياة في أبسط صورها معجزة . في الإميبا ذات الخلية الواحدة . وفيما هو أصغر من الإميبا ! فكيف بها في هذا الإنسان الشديد التركيب والتعقيد ? وهو في تركيبه النفسي أشد تركباً وتعقداً من تركيبه العضوي !

وحوله تلك الخلائق التي تدب على الأرض أنواعاً وأجناساً ، وأشكالاً وأحجاماً ، لا يحصيها إلا الله . وأصغرها كأكبرها معجز في خلقه . معجز في تصريفه . معجز في تناسب حيواته على هذه الأرض ، بحيث

لا يزيد جنس عن حدود معينة ، تحفظ وجوده وامتداده ، وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء . واليد الممسكة بزمام الأنواع والأجناس تزيد فيها وتنقص بحكمة وتقدير ؛ وتركب في كل منها من الخصائص والقوى والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً . .

النسور جارحة ضارية وعمرها مديد . ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض والفراخ بالقياس إلى العصافير والزرازير . . ولنا أن نتصور كيف كان الأمر يكون لو كان للنسور نسل العصافير ? وكيف كانت تقضي على جميع الطيور !

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية . فكيف لو كانت تنسل كالظباء والشاء ? إنها ما كانت تبقي على لحم في الغابة ولا غذاء . . ولكن اليد التي تمسك بالزمام تجعل نسلها محدوداً بالقدر المطلوب ! وتكثر من ذوات اللحوم من الظباء والشاء وما إليها لسبب معلوم .

والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة مئات الألوف . . وفي مقابل هذا لا تعيش إلا حوالي أسبوعين اثنين . فكيف لو افلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنين ? لكان الذباب يغطي الأجسام ويأكل العيون ? ولكن اليد المدبرة هناك تضبط الأمور وفق تقدير دقيق محسوب فيه حساب كل الحاجات والأحوال والظروف .

وهكذا وهكذا . في الخلق ذاته . وفي خصائصه . وفي تدبيره وتقديره . في عالم الناس ، وعالم الدواب . . في هذا كله آيات . آيات ناطقة . ولكن لمن ? من الذي يراها ويتدبرها ويدركها ?

( لقوم يوقنون ) . .

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس ، وكي تتأثر ، وكي تنيب . . اليقين الذي يدع القلوب تقر وتثبت وتطمئن ؛ وتتلقى حقائق الكون في هدوء ويسر وثقة ، وفي راحة من القلق والحيرة والزعزعة . فتصوغ من أقل ما تحصل ، أكبر النتائج وأعظم الآثار في هذا الوجود .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

لقوله : { وفي خلقكم وما يبث من دابة } ولا يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين ، فإن بثه وتنوعه واستجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار . { آيات لقوم يوقنون } محمول على محل إن واسمها ، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب حملا على الاسم .