مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

قوله تعالى : { وفي خلقكم وما يبث من دآبة ءايات لقوم يوقنون } وفيه مباحث :

البحث الأول : قال صاحب «الكشاف » : قوله { وما يبث } عطف على الخلق المضاف لا على الضمير المضاف إليه ، لأن المضاف ضمير متصل مجرور والعطف عليه مستقبح ، فلا يقال مررت بك وزيد ، ولهذا طعنوا في قراءة حمزة { تساءلون به والأرحام } بالجر في قوله { والأرحام } وكذلك إن الذين استقبحوا هذا العطف ، فلا يقولون مررت بك أنت وزيد .

البحث الثاني : قرأ حمزة والكسائي { ءايات } بكسر التاء وكذلك الذي بعده { وتصريف الرياح ءايات } والباقون بالرفع فيهما ، أما الرفع فمن وجهين ذكرهما المبرد والزجاج وأبو علي : ( أحدهما ) العطف على موضع إن وما عملت فيه ، لأن موضعهما رفع بالابتداء فيحمل الرفع فيه على الموضع ، كما تقول إن زيدا منطلق وعمر ، و{ أن الله برئ من المشركين ورسوله } لأن معنى قوله { أن الله برئ } أن يقول الله برئ من المشركين ورسوله ، ( والوجه الثاني ) أن يكون قوله { وفي خلقكم } مستأنفا ، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة أخرى كما تقول إن زيدا منطلق وعمرو كاتب ، جعلت قولك وعمرو كاتب كلاما آخر ، كما تقول زيد في الدار وأخرج غدا إلى بلد كذا ، فإنما حدثت بحديثين ووصلت أحدهما بالآخر بالواو ، وهذا الوجه هو اختيار أبي الحسن والفراء ، وأما وجه القراءة بالنصب فهو بالعطف على قوله { إن في السموات } على معنى وإن في خلقكم لآيات ويقولون هذه القراءة إنها في قراءة أبي وعبد الله { لآيات } ودخول اللام يدل على أن الكلام محمول على إن .

البحث الثالث : قوله { وفي خلقكم } معناه خلق الإنسان ، وقوله { وما يبث من دابة } إشارة إلى خلق سائر الحيوانات ، ووجه دلالتها على وجود الإله القادر المختار أن الأجسام متساوية فاختصاص كل واحد من الأعضاء بكونه المعين وصفته المعينة وشكله المعين ، لا بد وأن يكون بتخصيص القادر المختار ، ويدخل في هذا الباب انتقاله من سن إلى سن آخر ومن حال إلى حال آخر ، والاستقصاء في هذا الباب قد تقدم .