غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

1

وقوله { إن في السماوات } إما أن يكون على ظاهره وآياتها الشمس والقمر والنجوم وحركاتها وأوضاعها وكذا العناصر والمواليد التي في الأرض مما يعجز الحاصر عن إدراك أعدادها ، وإما أن يراد إن في خلق السماوات والأرض فالآيات تشمل ما عددنا مع زيادة هيئتهما وما يتعلق بتشخيصهما . استدل الأخفش بالآية الثالثة على جواز العطف على عاملين مختلفين وهما في قراءة النصب " أن " وفي أقيمت الواو مقامها فعملت الجر في اختلاف الليل ، والنصب في آيات وهما في قراءة الرفع الابتداء وفي . وخرج لسيبويه في جوابه وجهان : أحدهما أن قوله { آيات } تكرار محض للتأكيد فقط من غير حاجة إلى ذكرها كما تقول : إن في الدار زيداً وفي الحجرة زيداً والمسجد زيداً ، وأنت تريد أن في الدار زيداً والحجرة والمسجد . والثاني إضمار في لدلالة الأول عليه ، ويحتمل أن ينتصب { آيات } على الاختصاص . ويرتفع بإضمار هي . وتفسير هذه الآيات قد مر في نظائرها مراراً ولاسيما في أواسط " البقرة " .

ومما يختص بالمقام أنه خص المؤمنين بالذكر أولاً ثم قال { لقوم يوقنون } ثم { يعقلون } فما سبب هذا الترتيب ؟ قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله : أراد إن كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإلا فإن كنتم طلاب الحق واليقين فافهموا هذه الدلائل ، وإن كنتم لستم من المؤمنين ولا من الموقنين فلا أقل من أن تكونوا من زمرة العاقلين ، فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل ، وقال جار الله : معناه إن المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض النظر الصحيح علموا أنها لا بد لها من صانع فآمنوا به وأقروا ، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وفي خلق ما بث من الدواب على ظهر الأرض ، ازدادوا إيماناً وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس .

/خ37