{ سخرها عليهم } أرسلها عليهم . وقال مقاتل : سلطها عليهم ، { سبع ليال وثمانية أيام } قال وهب : هي الأيام التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد ورياح شديدة . قيل : سميت عجوزاً لأنها عجز الشتاء . وقيل : سميت بذلك لأن عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً فتبعتها الريح ، فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب ، { حسوماً } قال مجاهد وقتادة : متتابعة ليس لها فترة ، فعلى هذا هو من حسم الكي ، وهو أن يتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ ، ثم قيل لكل شيء توبع : حاسم ، وجمعه حسوم ، مثل شاهد وشهود ، وقال الكلبي ومقاتل : حسوماً دائمة . وقال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم ، والحسم : القطع والمنع ومنه حسم الداء . قال الزجاج : أن تحسمهم حسوماً تفنيهم وتذهبهم . وقال عطية : شؤماً كأنها حسمت الخير عن أهلها ، { فترى القوم فيها } أي في تلك الليالي والأيام ، { صرعى } هلكى جمع صريع ، { كأنهم أعجاز نخل خاوية } ساقطة ، وقيل : خالية الأجواف .
هذه الريح الصرصر العاتية : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) . . والحسوم القاطعة المستمرة في القطع . والتعبير يرسم مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة : ( سبع ليال وثمانية أيام ) . ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا : ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) . . فترى . . فالمنظر معروض تراه ، والتعبير يلح به على الحس حتى يتملاه ! ( صرعى ) . . مصروعين مجدلين متناثرين ( كأنهم أعجاز نخل )بأصولها وجذوعها( خاوية )فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الأرض هامدة ! إنه مشهد حاضر شاخص . مشهد ساكن كئيب بعد العاصفة المزمجرة المدمرة . .
وقوله : سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما يقول تعالى ذكره : سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما فقال بعضهم : عُنى بذلك تباعا . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما يقول : تباعا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : حُسُوما قال : متتابعة .
حدثنا ابن حميد ، قال حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود وَثَمانِيَةَ أيّامِ حُسُوما قال : متتابعة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود مثل حديث محمد بن عمرو .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله حُسُوما قال : تباعا .
قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن عكرِمة ، في قوله : حُسُوما قال : تباعا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرِمة أنه قال في هذه الاَية وَثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال : متتابعة .
حدثنا نصر بن عليّ ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا خالد بن قيس ، عن قتادة وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال : متتابعة ليس لها فترة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال : متتابعة ليس فيه تفتير .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله حُسُوما قال : دائمات .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَةَ ، عن ابن مسعود أيّامٍ حُسُوما قال : متتابعة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان قال : قال مجاهد : أيّامٍ حُسُوما قال : تباعا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان أيّامٍ حُسُوما قال : متتابعة ، و أيام نحسات قال : مشائيم .
وقال آخرون : عنى بقوله : حُسُوما الريح ، وأنها تحسم كلّ شيء ، فلا تبقى من عاد أحدا ، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وثَمانِيَة حُسُوما قال : حسمتهم لم تُبق منهم أحدا ، قال : ذلك الحسوم مثل الذي يقول : احسم هذا الأمر قال : وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب قال : قال موسى بن عقبة : فلما جاءهم العذاب قالوا : قوموا بنا نردّ هذا العذاب عن قومنا قال : فقاموا وصفوا في الوادي ، فأوحى الله إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحدا ، وقرأ قول الله : سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما حتى بلغ : نخل خاوية قال : فإن كانت الريح لتمرّ بالظعينة فتستدبرها وحمولتها ، ثم تذهب بهم في السماء ، ثم تكبهم على الرؤوس ، وقرأ قول الله : فَلَمّا رأَوْهُ عارِضا مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا قال : وكان أمسك عنهم المطر ، فقرأ حتى بلغ : تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بأمْرِ رَبّها قال : وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كلّ يوم إلا واحدا قال : فلما عذّب الله قوم عاد ، أبقى الله واحدا ينذر الناس ، قال : فكانت امرأة قد رأت قومها ، فقالوا لها : أنت أيضا ، قالت : تنحيت على الجبل قال : وقد قيل لها بعد : أنت قد سلمت وقد رأيت ، فكيف لا رأيت عذاب الله ؟ قالت : ما أدرى غير أن أَسْلَمَ ليلةٍ : ليلة لا ريح .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عُنِي بقوله حُسُوما متتابعة ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك . وكان بعض أهل العربية يقول : الحسوم : التباع ، إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل فيه حسوم قال : وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء : إذا كوى صاحبه ، لأنه لحم يكوى بالمكواة ، ثم يتابع عليه .
وقوله : فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعَى يقول : فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد هلكوا كأنّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ يقول : كأنهم أصول نخل قد خوت ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كأنّهُمْ أعْجازُ نخْلٍ خاوِيَةٍ : وهي أصول النخل .
والتسخير : استعمال الشيء باقتدار عليه . وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال ، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر . و { حسوماً } ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه : كاملة تباعاً لم يتخللها غير ذلك ، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولاً محرماً ، قال الشاعر [ طفيل الغنوي ] : [ الطويل ]
عوازب لم تسمع نبوح مقامة*** ولم تر ناراً ثم حول مجرم{[11279]}
وقال الخليل : { حسوماً } ، أي شؤماً ونحساً ، وقال ابن زيد : { حسوماً } جمع حاسم كجالس وقاعد ، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك ، ومنه حسم العلل ومنه الحسام . والضمير في قوله { فيها صرعى } يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها . قال الثعلبي ، وقيل يعود على الريح ، وقد تقدم القول في التشبيه ب «أعجاز النخل » في سورة ( اقتربت الساعة ) . والخاوية : الساقطة التي قد خلت أعجازها بِلىً وفساداً .