تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

الآية7ووقوله تعالى : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما } وقوله : { سخرها } قيل : أرسلها ، وقيل : أدامها عليهم ، وقيل : التسخير التذليل ، أي ذللها ، فصيرها ، بحيث لا تمتنع عن المرور عليهم في الوجه الذي جعلها عليهم ، وأطاعته في الوجه الذي أرسلها .

إنما أرسل الريح على أبدانهم خاصة ، لم{[21882]} تهلك شيئا من مساكنهم كقوله تعالى : { تدمّر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم } [ الأحقاف : 25 ] والريح إذا عملت على الأبدان [ فهي على البنيان ]{[21883]} أكثر . لكن الله تعالى لم يأمرها بذلك ، والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { سبع ليال وثمانية أيام حسوما } فيه تبيين أن الأيام لم تكن على عدد الليالي ، ولو كانتا{[21884]} على عدد واحد لكان في ذكر أحد العددين ذكر العدد الآخر ، لأن تسمية الليالي تسمية الأيام ، وتسمية الأيام تسمية الليالي . .

ألا ترى أنه قال في قصة زكرياء : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } [ آل عمران : 41 ] وقال في موضع آخر : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } ؟ [ مريم : 10 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { حسوما } قيل : متتابعة دائما ، وقيل : قطعا قطعا من الحسم ، يقال

حسمت الريح كل شيء مرت به حسما ، أي قطعته ، وقيل : مشؤومات حين{[21885]} انقطعت بركتها عنهم .

وقوله تعالى { فترى القوم فيها صرعى } أي إنك لو أدركتهم ، وشهدتهم ، وعاينتهم . لرأيتهم { صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية } وقال بعضهم : ألا ترى الأعضاء المتفرقة : كل قطعة منها كأنها عجز نخلة ؟ إذا كانوا هم أعظم في أنفسهم من أعجاز النخل [ فيصرف تأويله ]{[21886]} إلى الأعضاء المتباينة .

ثم ذكر النخل هنا بالتأنيث ، فقال : { كأنهم أعجاز نخل خاوية } ووصفه{[21887]} في سورة { اقتربت الساعة } بصفة التذكير ، فقال : { كأنهم أعجاز نخل منقعر } [ القمر : 20 ] لأن النخل يذكر ، ويؤنث . كذا قاله الزجاج .

وقيل : النخل يذكر على كل حال . لكن قوله : { خاوية } صفة للأعجاز لا صفة النخل ، والأعجاز جماعة ، والجماعة مؤنثة ، والنخل واحد ، فيذكر . وليس كذلك ، لأن الخاوية صفة النخل .

ألا ترى عند الوصل يذكر بالخفض لا بالرفع ؟ ولأن النخل اسم جمع ، يقال : نخلة ونخل كما يقال : شجرة وشجر ، وثمرة وثمر ، ونحو ذلك .

وقوله تعالى : { خاوية } قال بعضهم : أي بالية ، وقيل : خاوية {[21888]} أي ساقطة كقوله تعالى : { وهي خاوية على عروشها } [ البقرة : 259 ] أي ساقطة على قوائمها . . وقيل : أي خالية ، فوصفها بالخلاء لأنها اقتلعت من أصلها حتى خلا ذلك المكان منها . وأعجاز النخل أصوله .


[21882]:من م,في الأصل:لمن.
[21883]:من م,في الأصل:فهو على الاليتيان.
[21884]:في الأصل و م:كانا.
[21885]:في الأصل و م:حيث.
[21886]:من م,في الأصل:فيضرب تأويل.
[21887]:في الأصل:وصف ,في م:ووصف.
[21888]:في الأصل و م:الخاوية