فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ } هذه الجملة مستأنفة لبيان كيفية إهلاكهم ، ومعنى { سَخَّرَهَا } سلطها ، كذا قال مقاتل ، وقيل : أرسلها . وقال الزجاج : أقامها عليهم كما شاء ، والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار ، ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة لريح ، وأن تكون حالاً منها لتخصيصها بالصفة ، أو من الضمير في عاتية { وثمانية أَيَّامٍ } معطوف على { سَبْعَ لَيَالٍ } ، وانتصاب { حُسُوماً } على الحال : أي ذات حسوم ، أو على المصدر بفعل مقدّر : أي تحسمهم حسوماً ، أو على أنه مفعول به ، والحسوم التتابع ، فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوّله عن آخره قيل له الحسوم . قال الزجاج : الذي توجبه اللغة في معنى قوله { حُسُوماً } أي تحسمهم حسوماً تفنيهم وتذهبهم . قال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم . وقال الفراء : الحسوم الإتباع من حسم الداء وهو الكيّ ، لأن صاحبه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه ، ومنه قول أبي دؤاد :

يفرق بينهم زمن طويل *** تتابع فيه أعواماً حسوماً

وقال المبرّد : هو من قولك حسمت الشيء : إذا قطعته وفصلته عن غيره . وقيل : الحسم الاستئصال ، ويقال للسيف : حسام ، لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته ، والمعنى : أنها حسمتهم ، أو قطعتهم وأذهبتهم ، ومنه قول الشاعر :

فأرسلت ريحاً دبوراً عقيما *** فدارت عليهم فكانت حسوماً

قال ابن زيد : أي حسمتهم فلم تبق منهم أحداً . وروي عنه أنه قال : حسمت الأيام والليالي حتى استوفتها ، لأنها بدأت بطلوع الشمس من أوّل يوم ، وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم . وقال الليث : الحسوم هي الشؤم : أي تحسم الخير عن أهلها ، كقوله : { فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [ فصلت : 16 ] .

واختلف في أوّلها ، فقيل : غداة الأحد . وقيل : غداة الجمعة ، وقيل : غداة الأربعاء . قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ، كان فيها برد شديد وريح شديدة ، وكان أوّلها يوم الأربعاء ، وآخرها يوم الأربعاء { فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى } الخطاب لكلّ من يصلح له على تقدير أنه لو كان حاضراً حينئذٍ لرأى ذلك ، والضمير في : { فيها } يعود إلى الليالي والأيام . وقيل : إلى مهاب الريح ، والأوّل أولى . وصرعى جمع صريع يعني : موتى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي أصول نخل ساقطة أو بالية ، وقيل : خالية لا جوف فيها ، والنخل يذكر ويؤنث ، ومثله قوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] وقد تقدّم تفسيره وهو إخبار عن عظم أجسامهم . قال يحيى بن سلام : إنما قال خاوية لأن أبدانهم خلت من أرواحهم مثل النخل الخاوية .

/خ18