" سخرها عليهم " أي أرسلها وسلطها عليهم . والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار . " سبع ليال وثمانية أيام حسوما " أي متتابعة لا تفر ولا تنقطع ، عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما . قال الفراء : الحسوم التِّباع ، من حسم الداء إذا كوي صاحبه ، لأنه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه . قال عبدالعزيز بن زرارة الكلابي :
ففرق بين بينهم{[15287]} زمان *** تتابع فيه أعوامٌ حسومُ
وقال المبرد : هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره . وقيل : الحسم الاستئصال . ويقال للسيف حسام ؛ لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته . وقال الشاعر :
حسامٌ إذا قمتُ مُعْتَضِداً *** به كفى العَوْدَ منه البدء ليس بِمعْضَدِ{[15288]}
والمعنى أنها حسمتهم ، أي قطعتهم وأذهبتهم . فهي القاطعة بعذاب الاستئصال . قال ابن زيد : حسمتهم فلم تبق منهم أحدا . وعنه أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوعبتها ؛ لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم . وقال الليث : الحسوم الشؤم . ويقال : هذه ليالي الحسوم ، أي تحسم الخير عن أهلها ، وقال في الصحاح . وقال عكرمة والربيع بن أنس : مشائيم ، دليله قوله تعالى : " في أيام نحسات{[15289]} " [ فصلت : 16 ] . عطية العوفي : " حسوما " أي حسمت الخير عن أهلها . واختلف في أولها ، فقيل : غداة يوم الأحد ، قاله السدي . وقيل : غداة يوم الجمعة ، قال الربيع بن أنس . وقيل : غداة يوم الأربعاء ، قاله يحيى بن سلام ووهب بن منبه . قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد وريح شديدة ، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ، ونسبت إلى العجوز لأن عجوزا من عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن . وقيل : سميت أيام العجوز لأنها وقعت في عجز الشتاء . وهي في آذار من أشهر السريانيين . ولها أسام مشهورة ، وفيها يقول الشاعر وهو ابن أحمر{[15290]} :
كُسِع{[15291]} الشتاء بسبعة غُبْرٍ *** أيامِ شَهْلَتِنَا{[15292]} من الشَّهْرِ
فإذا انقضت أيامها ومضت{[15293]} *** صِنٌّ وصَنَّبْر مع الوَبْرِ
وبآمر وأخيه مُؤْتَمِرٌ *** ومعَلِّل وبمطفئِ الجِمْرِ
ذهب الشتاءُ مُوَلِّيًا عَجِلاً{[15294]} *** وأتَتْكَ وَاقِدةُ من النَّجْرِ{[15295]}
و " حسوما " نصب على الحال . وقيل على المصدر . قال الزجاج : أي تحسمهم حسوما أي تفنيهم ، وهو مصدر مؤكد . ويجوز أن يكون مفعولا له ، أي سخرها عليهم هذه المدة للاستئصال ، أي لقطعهم واستئصالهم . ويجوز أن يكون جمع حاسم . وقرأ السدي " حسوما " بالفتح ، حالا من الريح ، أي سخرها عليهم مستأصلة .
قوله تعالى : " فترى القوم فيها " أي في تلك الليالي والأيام . " صرعى " جمع صريع ، يعني موتى . وقيل : " فيها " أي في الريح . " كأنهم أعجاز " أي أصول . " نخل خاوية " أي بالية ، قاله أبو الطفيل . وقيل : خالية الأجواف لا شيء فيها . والنخل يذكر ويؤنث . وقد قال تعالى في موضع آخر : " كأنهم أعجاز نخل منقعر{[15296]} " [ القمر : 20 ] فيحتمل أنهم شبهوا بالنخل التي صرعت من أصلها ، وهو إخبار عن عظم أجسامهم . ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع ، أي إن الريح قد قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة الخاوية الجوف . وقال ابن شجرة : كانت الريح تدخل في أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية . وقال يحيى بن سلام : إنما قال " خاوية " لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية . ويحتمل أن يكون المعنى كأنهم أعجاز نخل خاوية عن أصولها من البقاع ، كما قال تعالى : " فتلك بيوتهم خاوية{[15297]} " [ النمل : 52 ] أي خربة لا سكان فيها . ويحتمل الخاوية بمعنى البالية كما ذكرنا ؛ لأنها إذا بليت خلت أجوافها . فشبهوا بعد أن هلكوا بالنخل الخاوية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.