الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

قوله : { حُسُوماً } : فيه أوجهٌ ، أحدها : أَنْ ينتصِبَ نعتاً لِما قبلها . والثاني : أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ بفعلٍ مِنْ لفظِها ، أي : تَحْسِمْهم حُسوماً . الثالث : أَنْ ينتصِبَ على الحالِ ، أي : ذاتَ حُسوم . الرابع : أَنْ يكونَ مفعولاً له ، ويَتَّضِحُ ذلك بقول الزمخشري : " الحُسوم : لا يَخْلو مِنْ أَنْ يكونَ جمعَ حاسِم كشاهِد وشُهود ، أو مصدراً كالشُّكور والكُفور . فإنْ كانَتْ جمعاً فمعنى قولِه " حُسوماً " : نَحِسات حَسَمَتْ كلَّ خيرٍ ، واستأصَلَتْ كلَّ بركةٍ ، أو متتابعةً هبوبَ الريح ، ما خَفَتَتْ ساعةً ، تمثيلاً لتتابُعِها بتتابُعِ فِعْلِ الحاسمِ في إعادة الكيِّ على الدَّاء كَرَّةً بعد أخرى حتى يَنْحَسِمَ . وإن كان مصدراً : فإمَّا أَنْ ينتصِبَ بفعلِه مضمراً ، أي : تَحْسِم حُسوماً ، بمعنى : تَسْتأصِلُ استئصالاً ، أو يكونُ صفةً كقولِ : ذاتَ حُسومٍ ، أو يكونُ مفعولاً له ، أي : سَخَّرها عليهم للاستئصالِ . وقال عبد العزيز بن زُرارة الكلابي :

ففرَّق بين بَيْنِهُمُ زمانٌ *** تتابَعَ فيه أعوامٌ حُسومُ

انتهى . قال المبرد : الحُسوم : الفَصْلُ حَسَمْتُ الشيء من الشيء فَصَلْتُه منه ومنه الحُسام . وقال الشاعر :

فأرسَلْتَ ريحاً دَبُوراً عقيماً *** فدارَتْ عليهمْ فكانَتْ حُسُوماً

وقال الليث : " هي الشُّؤْمُ : يقال : هذه ليالي الحُسومِ ، أي : تَحْسِم الخيرَ عن أهلِها . وعندي أنَّ هذين القولَيْن يَرْجِعان إلى القول الأول ؛ لأنَّ الفصلَ قَطْعٌ ، وكذلك الشُّؤْمُ لأنَّه يقطعُ الخيرَ . والجملةُ مِنْ قولِه " سَخَّرها " يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً ل " ريح " ، وأَنْ تَكونَ حالاً منها لتخصُّصها بالصفةِ ، أو من الضميرِ في " عاتية " ، وأَنْ تكون مستأنفةً .

قوله : { فِيهَا صَرْعَى } صَرْعَى حالٌ ، جمعُ صَريع نحو : قتيل وقَتْلى ، وجريح وجَرْحى ، والضمير في " فيها " للأيام والليالي ، أو للبيوت ، أو للرِيح ، أظهرُها الأولُ لقُرْبِه ، ولأنَّه مذكورٌ .

وقوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } حالٌ من القوم ، أو مستأنفةٌ . وقرأ أبو نهيك " أَعْجُزُ " على أَفْعُل نحو : ضَبُع وأَضْبُع . وقُرِىء " نخيل " حكاه الأخفشُ ، وقد تقدَّم أنَّ اسم الجنس يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ ، واختير هنا تأنيثهُ للفواصلِ ، كما اخْتِير تذكيرُه لها في سورةِ القمر كما تقدَّم التنبيهُ عليه .