نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

ولما وصفها{[67889]} بالعتو على الخلق والغلبة لهم بحيث كانت خارقة للعادة لم يأت مثلها قبل ولا بعد ، دل على صغارها بالنسبة إلى عظمته ، وأنه هو الذي أوجدها لا الطبيعة ولا غيرها ، بل إنما كانت بقدرته واختياره قهراً لمن طعن في ملكه وكذب رسله فيما أخبروا به من أمر الساعة التي هي موضع الحكمة وإظهار جميع العظمة ، فقال مستأنفاً دلالة على ذلك : { سخرها } أي قهرها على أن سلطها ، والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار ، ودل على أنه تسخير تعذيب لا{[67890]} رحمة وتأديب بأداة الاستعلاء ، فقال : { عليهم } وكلفها ذلك وذللها له فلم يمكنها مع عتوها{[67891]} إلا أن كانت طوع أمره وصنيعة عظمته وقهره .

ولما كانت هذه السورة لتحقيق الأمور ، وكشف المشكل وإيضاح الخفي ، حقق فيها زمن عذابهم تحقيقاً لم يتقدم مثله ، فذكر الأيام والليالي ، وقدم الليالي لأن المصايب فيها أفظع وأقبح وأشنع لقلة المغيث والجهل بالمأخذ والخفاء في المقاصد والمنافذ ، ولأن عددها مذكر في اللفظ ، وتذكير اللفظ أدل على قوة المعنى ولذلك جعل المميز جمع كثرة ، ولأنها سبع ، والسبع مبالغ فيه وهو أجمع العدد كما يأتي تحقيقه قريباً في حملة العرش ولا يمكن أن يظن بتقديمها أن ابتداء العذاب كان فيها لأنه يلزم حينئذ أن يكون بعدد الأيام فلذلك قال : { سبع ليال } أي لا تفتر فيها الريح لحظة لأنه بولغ{[67892]} في شدتها مبالغة لم يكن مثلها قط ولا يكون بعدها{[67893]} أبداً { وثمانية أيام } كذلك حال كونها { حسوماً } جمع حاسم أي بحس مانع من التصرف دائم متتابع لا فترة له{[67894]} ، من حسم الكي - إذا تابع فيه بالمكواة ، قاطع لكل خير ، مستأصل له ، فأتت عليهم من غير فترة أصلاً في جميع ذلك الوقت فاستأصلتهم لم تبق منهم أحدا حتى أن عجوزاً منهم توارت في سرب فانتزعتها منه وأهلكتها ، وبها سميت أيام العجوز ، أو لأنها {[67895]}عجز الشتاء وهي ذات{[67896]} برد ورياح{[67897]} شديدة وهي من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى غروب الأربعاء الآخر وهو{[67898]} آخر الشهر ، و{[67899]}قد لزم{[67900]} من زيادة عدد الأيام أن الابتداء كان بها{[67901]} قطعاً وإلا لم تكن الليالي{[67902]} سبعاً - فتأمل ذلك .

ولما كان الحاسم{[67903]} المهلك ، سبب عنه قوله مصوراً لحالهم الماضية : { فترى القوم } أي الذين هم في غاية القدرة على ما يحاولونه : { فيها } أي في{[67904]} تلك المدة من الأيام والليالي لم يتأخر أحد{[67905]} منهم عنها { صرعى } أي مجدلين على الأرض موتى معصورين مجهزة على كل منهم من شدة ضغطها باد عليهم {[67906]}الذل والصغار{[67907]} ، جمع صريع { كأنهم أعجاز }{[67908]} أي أصول { نخل } قد شاخت وهرمت فهي في غاية العجز {[67909]}والهرم{[67910]} { خاوية * } أي متآكلة الأجواف ساقطة ، من خوي النجم - إذا سقط للغروب ، ومن خوي المنزل - إذا خلا{[67911]} من قطانه ، قالوا : كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم ، فالوصف بذلك لعظم أجسامهم وتقطيع الريح لهم وقطعها لرؤوسهم وخلوهم من الحياة وتسويدها لهم .


[67889]:- زيد في الأصل: إنه، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[67890]:- زيد من ظ وم.
[67891]:- من ظ وم، وفي الأصل: علوها.
[67892]:- من ظ وم، وفي الأصل: بلوغ.
[67893]:- سقط من م.
[67894]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[67895]:- من ظ وم، وفي الأصل: لها.
[67896]:- زيد من ظ وم.
[67897]:- من ظ وم، وفي الأصل: ريح.
[67898]:- من ظ وم، وفي الأصل: هي.
[67899]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[67900]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[67901]:- زيد من ظ وم.
[67902]:- من ظ وم، وفي الأصل: الليل.
[67903]:- زيد في الأصل: السبب، ولم تكن الزيادة، في ظ وم فحذفناها.
[67904]:- سقط من ظ وم.
[67905]:- زيد من ظ وم.
[67906]:-من ظ وم، وفي الأصل: والصرع.
[67907]:-من ظ وم، وفي الأصل: والصرع.
[67908]:- زيد في الأصل: نخل، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67909]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67910]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67911]:- زيد من ظ وم.