فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سخرها عليهم يسبع ليال } أي سلطها كذا قال مقاتل ، وقيل أرسلها وقال الزجاج أقامها عليهم كما شاء ، والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار ، وفيه رد على من قال إن سبب ذلك كان باتصال الكواكب ، فنفى هذا المذهب بقوله { سخرها عليهم } وبين الله تعالى أن ذلك بقضائه وقدره وبمشيئته لا باتصال الكواكب ، ذكره الخازن ، والجملة مستأنفة لبيان كيفية إهلاكهم ، ويجوز أن تكون صفة لريح أو تكون حالا منها لتخصيصها بالصفة أو من الضمير في عاتية .

{ وثمانية أيام حسوما } معطوف على سبع ليال وانتصاب حسوما على الحال أي ذات حسوم أو على المصدر لفعل مقدر أي تحسمهم حسوما أو على أنه مفعول له أو على أنه نعت لسبع ليال إلخ ويتضح ذلك بقول الزمخشري الحسوم لا يخلو من أن يكون جمع حاسم كشاهد وشهود أو مصدرا كالشكور والكفور ، فإن كان جمعا فمعنى قوله حسوما : نحسات حسمت كل خير ، واستأصلت كل بركة أو متتابعة هبوب الريح ما خفت ساعة تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم ، وإن كان مصدرا فإما أن ينتصب بقول مضمر أي تحسمهم حسوما أي تستأصلهم استئصالا أو يكون مفعولا له أي سخرها عليهم للاستئصال .

قال الشهاب : حسوما أي متتابعات فهو مجاز مرسل من استعمال المقيد وهو الحسم الذي هو تتابع الكي المطلق التتابع ، أو استعارة بتشبيه تتابع الريح المستأصلة بتتابع الكي القاطع للداء انتهى ، والحسوم التتابع فإذا تتابع الشيء لم ينقطع أوله عن آخره قيل له الحسوم .

قال الزجاج : الذي توجبه اللغة في معنى قوله حسوما أي تحسمهم حسوما تفنيهم وتذهبهم ، قال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم ، وقال الفراء : الحسوم الإتباع من حسم الداء وهو الكي لأن صاحبه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه .

وقال المبرد : هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره وبه قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقيل الحسم الاستئصال ويقال للسيف حسام لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته ، وقال ابن زيد : حسمتهم فلم يبق منهم أحد ، وروي عنه أنه قال حسمت الأيام والليالي . حتى استوفتها لأنها بدأت بطلوع الشمس من أول يوم وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم ، وقال الليث : الحسوم هي الشؤم أي تحسم الخير عن أهلها كقوله : { في أيام نحسات } وقال ابن مسعود : حسوما متتابعات .

وقال ابن عباس تباعا وفي لفظ متتابعات ، واختلف في أولها فقيل غداة الأحد وقيل غداة الجمعة وقيل غداة الأربعاء قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيان العجوز كان فيهالا برد شديد وريح شديدة ، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء وكان الشهر كاملا فكان أخرها هو اليوم الأخير منه .

{ فترى } الخطاب لكل من يصلح له أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالكلام على سبيل الفرض والتقدير أي أنه لو كان حاضرا حينئذ لرأى { القوم } والضمير في { فيها } يعود إلى الليالي والأيام وقيل إلى مهاب الريح أو إلى البيوت والأول أولى وأظهر ، { صرعى } جمع صريع يعني موتى وهو حال ، وقوله :

{ كأنهم أعجاز نخل خاوية } حال من القوم أو مستأنف أي أصول نخل بلا رؤوس ساقطة أو بالية وقيل خالية لا جوف فيها ، وقال ابن عباس أعجاز نخل هي أصولها والنخل يذكر ويؤنث ومثله { كأنهم أعجاز نخل منقعر } وقد تقدم تفسيره وهو إخبار عن عظم أجسامهم ، قال يحيى بن سلام إنما قال خاوية لأن أبدانهم خلت من أرواحهم مثل النخل الخاوية أو أن الريح كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم .