معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

قوله تعالى : { ولكل أمة } يعني : جماعة مؤمنة سلفت قبلكم { جعلنا منسكاً } قرأ حمزة و الكسائي بكسر السين هاهنا وفي آخر السورة ، على معنى الاسم مثل المجلس والمطلع ، أي : مذبحاً وهو موضع القربان ، وقرأ الآخرون بفتح السين على المصدر ، مثل المدخل والمخرج ، يعني : إراقة الدماء وذبح القرابين { ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } عند نحرها وذبحها ، وسماها بهيمة لأنها لا تتكلم ، وقال : بهيمة الأنعام وقيدها بالنعم ، لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير ، لا يجوز دخلها في القرابين . { فإلهكم إله واحد } أي : سموا على الذبائح اسم الله وحده ، فإن إلهكم إله واحد ، { فله أسلموا } انقادوا وأطيعوا ، { وبشر المخبتين } قال ابن عباس و قتادة : المتواضعين . وقال مجاهد : المطمئين إلى الله عز وجل ، والخبت : المكان المطمئن من الأرض . وقال الأخفش : الخاشعين . وقال النخعي : المخلصين . وقال الكلبي : هم الرقيقة قلوبهم . وقال عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

هذه الذبائح يذكر القرآن الكريم أنها شعيرة معروفة في شتى الأمم ؛ إنما يوجهها الإسلام وجهتها الصحيحة حين يتوجه بها إلى الله وحده دون سواه :

( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام . فإلهكم إله واحد . فله أسلموا وبشر المخبتين ، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، والصابرين على ما أصابهم ، والمقيمي الصلاة ، ومما رزقناهم ينفقون ) . .

والإسلام يوحد المشاعر والاتجاهات ، ويتوجه بها كلها إلى الله . ومن ثم يعنى بتوجيه الشعور والعمل ، والنشاط والعبادة ، والحركة والعادة ؛ إلى تلك الوجهة الواحدة . وبذلك تصطبغ الحياة كلها بصبغة العقيدة .

وعلى هذا الأساس حرم من الذبائح ما أهل لغير الله به ؛ وحتم ذكر اسم الله عليها ، حتى ليجعل ذكر اسم الله هو الغرض البارز ، وكأنما تذبح الذبيحة بقصد ذكر اسم الله . ( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) . .

ويعقب بتقرير الوحدانية : ( فإلهكم إله واحد ) . . وبالأمر بالإسلام له وحده : ( فله أسلموا ) . . وليس هو إسلام الإجبار والاضطرار ، إنما هو إسلام التسليم والاطمئنان : ( وبشر المخبتين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَىَ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَلِكُلّ أُمّةٍ ولكلّ جماعة سَلَف فيكم من أهل الإيمان بالله أيها الناس ، جعلنا ذبحا يُهَرِيقون دمه لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعامِ بذلك لأن من البهائم ما ليس من الأنعام ، كالخيل والبغال والحمير . وقيل : إنما قيل للبهائم بهائم لأنها لا تتكلم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : جَعَلْنا مَنْسَكا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكا قال : إهراق الدماء لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : فَإِلهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ يقول تعالى ذكره : فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، واجتنبوا قول الزور ، فإلهكم إله واحد لا شريك له ، فإياه فاعبدوا وله أخلصوا الألوهة . وقوله : فَلَهُ أسْلِمُوا يقول : فلإلهكم فاخضعوا بالطاعة ، وله فذلّوا بالإقرار بالعبودية . ) وقوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ يقول تعالى ذكره : وبشر يا محمد الخاضعين لله بالطاعة ، المذعنين له بالعبودية ، المنيبين إليه بالتوبة . وقد بيّنا معنى الإخباث بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا .

وقد اختلف أهل التأويل في المراد به في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أريد به : وبشّر المطمئنين إلى الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ قال : المطمئنين .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ المطمئنين إلى الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ قال : المطمئنين .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ قال : المتواضعين .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن عمرو بن أوس ، قال : المخبتون : الذين لا يَظْلمون ، وإذا ظُلموا لم ينتصروا .

حدثني محمد بن عثمان الواسطي ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، قال : ثني عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن عمرو بن أوس مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

{ ولكل أمة } ولك أهل دين . { جعلنا منسكا } متعبدا أو قربانا يتقربون به إلى الله ، وقرأ حمزة والكسائي بالكسر أي موضع نسك . { ليذكروا اسم الله } دون غيره ويجعلون نسيكتهم لوجهه ، علل الجعل به تنبيها على أن المقصود من المناسك تذكر المعبود . { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } عند ذبحها ، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما . { فإلهكم إله واحد فله أسلموا } أخلصوا التقرب أو الذكر ولا تشوبوه بالإشراك . { وبشر المخبتين } المتواضعين أو المخلصين فإن الإخبات صفتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل أمة من الأمم المؤمنة { منكساً } أي موضع نسك وعبادة وهذا على أن المنسك ظرف المذبح ونحوه ، ويحتمل أن يريد به المصدر ، وكأنه قال عبادة ونحو هذا ، والناسك العابد ، وقال مجاهد : سنة في هراقة دماء الذبائح ، وقرأ معظم القراء «منسَكاً » بفتح السين وهو من نسك ينسك بضم السين في المستقبل ، وقرأ حمزة والكسائي «منسِكاً » بكسر السين قال أبو علي : الفتح أولى لأنه إما المصدر وإما المكان وكلاهما مفتوح والكسر في هذا من الشاذ في اسم المكان أن يكون مفعل من فعل يفعل مثل مسجد من سجد يسجد ، ولا يسوغ فيه القياس ، ويشبه أن الكسائي سمعه من العرب . وقوله { ليذكروا اسم الله } معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك ، ثم رجع اللفظ من الخبر عن الأمم إلى إخبار الحاضرين بما معناه فالإله واحد لجميعكم بالأمر كذلك في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له ، و { أسلموا } معناه لحقه ولوجهه ولإنعامه آمنوا وأسلموا ، ويحتمل أن يريد الاستسلام ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر بشارة على الإطلاق وهي أبلغ من المفسرة لأنها مرسلة مع نهاية التخيل ، و { المخبتين } المتواضعين الخاشعين من المؤمنين ، والخبت ما انخفض من الأرض والمخبت المتواضع الذي مشيه متطامن كأنه في حدود من الأرض وقال عمرو بن أوس{[8375]} : المخبتون الذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لم ينتصروا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا مثال شريف من خلق المؤمن الهين اللين ، وقال مجاهد : هم المطمئنون بأمر الله .


[8375]:في الأصول: عمرو بن أويس، وفي بعض النسخ: عمرو بن أبي أويس، والتصويب عن تفسير القرطبي، وهو: عمرو بن أوس بن أبي أوس، الثقفي الطائفي، تابعي كبير، من الثانية، قال عنه الحافظ العقسلاني في تقريب التهذيب: "وهم من ذكره في الصحابة، مات بعد التسعين من الهجرة".