فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

{ وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } المنسك ها هنا المصدر من نسك ينسك : إذا ذبح القربان ، والذبيحة : نسيكة ، وجمعها نسك . وقال الأزهري : إن المراد بالمنسك في الآية : موضع النحر ، ويقال : منسك بكسر السين وفتحها لغتان ، قرأ بالكسر الكوفيون إلا عاصماً وقرأ الباقون بالفتح . وقال الفرّاء : المنسك في كلام العرب : الموضع المعتاد في خير أو شرّ ، وقال ابن عرفة : { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } أي مذهباً من طاعة الله . وروي عن الفراء أن المنسك : العيد . وقيل : الحجّ ، والأوّل أولى لقوله : { لّيَذْكُرُوا اسم الله } إلى آخره ، والأمة : الجماعة المجتمعة على مذهب واحد ، والمعنى : وجعلنا لكل أهل دين من الأديان ذبحاً يذبحونه ، ودما يريقونه ، أو متعبداً أو طاعة أو عيداً أو حجاً يحجونه ، ليذكروا اسم الله وحده ، ويجعلوا نسكهم خاصاً به { على مَا رَزَقَهُمْ من بَهِيمَةِ الأنعام } أي على ذبح ما رزقهم منها . وفيه إشارة إلى أن القربان لا يكون إلا من الأنعام دون غيرها ، وفي الآية دليل على أن المقصود من الذبح المذكور هو ذكر اسم الله عليه . ثم أخبرهم سبحانه بتفرّده بالإلهية وأنه لا شريك له ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ثم أمرهم بالإسلام له ، والانقياد لطاعته وعبادته ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر ، والفاء هنا كالفاء التي قبلها ، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبشر { المخبتين } من عباده : أي المتواضعين الخاشعين المخلصين ، وهو مأخوذ من الخبيت ، وهو المنخفض من الأرض ، والمعنى : بشرهم يا محمد بما أعدّ الله لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه . وقيل : إن المخبتين هم الذين لا يظلمون غيرهم ، وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا .

/خ35