جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَىَ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَلِكُلّ أُمّةٍ ولكلّ جماعة سَلَف فيكم من أهل الإيمان بالله أيها الناس ، جعلنا ذبحا يُهَرِيقون دمه لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعامِ بذلك لأن من البهائم ما ليس من الأنعام ، كالخيل والبغال والحمير . وقيل : إنما قيل للبهائم بهائم لأنها لا تتكلم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : جَعَلْنا مَنْسَكا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكا قال : إهراق الدماء لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : فَإِلهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ يقول تعالى ذكره : فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، واجتنبوا قول الزور ، فإلهكم إله واحد لا شريك له ، فإياه فاعبدوا وله أخلصوا الألوهة . وقوله : فَلَهُ أسْلِمُوا يقول : فلإلهكم فاخضعوا بالطاعة ، وله فذلّوا بالإقرار بالعبودية . ) وقوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ يقول تعالى ذكره : وبشر يا محمد الخاضعين لله بالطاعة ، المذعنين له بالعبودية ، المنيبين إليه بالتوبة . وقد بيّنا معنى الإخباث بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا .

وقد اختلف أهل التأويل في المراد به في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أريد به : وبشّر المطمئنين إلى الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ قال : المطمئنين .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ المطمئنين إلى الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ قال : المطمئنين .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : وَبَشّرِ المُخْبِتِينَ قال : المتواضعين .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن عمرو بن أوس ، قال : المخبتون : الذين لا يَظْلمون ، وإذا ظُلموا لم ينتصروا .

حدثني محمد بن عثمان الواسطي ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، قال : ثني عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن عمرو بن أوس مثله .