معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

قوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } من الجرائم ، { ما ترك على ظهرها } يعني : على ظهر الأرض كناية عن غير مذكور ، { من دابة } كما كان في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح ، { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أهل طاعته وأهل معصيته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

39

وأخيراً يجيء ختام السورة ، يكشف عن حلم الله ورحمته إلى جانب قوته وقدرته ؛ ويؤكد أن إمهال الناس عن حلم وعن رحمة ، لا يؤثر في دقة الحساب وعدل الجزاء في النهاية :

( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة . ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى . فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً ) . .

إن ما يرتكبه الناس من كفر لنعمة الله ، ومن شر في الأرض وفساد ، ومن ظلم في الأرض وطغيان . إن هذا كله لفظيع شنيع ولو يؤاخذ الله الناس به ، لتجاوزهم - لضخامته وشناعته وبشاعته - إلى كل حي على ظهر هذه الأرض . ولأصبحت الأرض كلها غير صالحة للحياة إطلاقاً . لا لحياة البشر فحسب ، ولكن لكل حياة أخرى !

والتعبير على هذا النحو يبرز شناعة ما يكسب الناس وبشاعته وأثره المفسد المدمر للحياة كلها لو آخذهم الله به مؤاخذة سريعة .

غير أن الله حليم لا يعجل على الناس :

( ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ) . .

يؤخرهم أفراداً إلى أجلهم الفردي حتى تنقضي أعمارهم في الدنيا . ويؤخرهم جماعات إلى أجلهم في الخلافة المقدرة لهم حتى يسلموها إلى جيل آخر . ويؤخرهم جنساً إلى أجلهم المحدد لعمر هذا العالم ومجيء الساعة الكبرى . ويفسح لهم في الفرصة لعلهم يحسنون صنعاً .

( فإذا جاء أجلهم ) . .

وانتهى وقت العمل والكسب ، وحان وقت الحساب والجزاء ، فإن الله لن يظلمهم شيئاً :

( فإن الله كان بعباده بصيراً ) . .

وبصره بعباده كفيل بتوفيتهم حسابهم وفق عملهم وكسبهم ، لا تفوت منهم ولا عليهم كبيرة ولا صغيرة .

هذا هو الإيقاع الأخير في السورة التي بدأت بحمد الله فاطر السماوات والأرض . ( جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة )يحملون رسالة السماء إلى الأرض . وما فيها من تبشير وإنذار فإما إلى جنة وإما إلى نار . .

وبين البدء والختام تلك الجولات العظام في تلك العوالم التي طوفت بها السورة . وهذه نهاية المطاف . ونهاية الحياة . ونهاية الإنسان . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىَ ظَهْرِهَا مِن دَآبّةٍ وَلََكِن يُؤَخّرُهُمْ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ولو يؤاخذ الله الناس . يقول : ولو يعاقب الله الناس ، ويكافئهم بما عملوا من الذنوب والمعاصي ، واجترحوا من الاَثام ، ما تَرَك على ظهرها من دابة تدبّ عليها وَلَكِنْ يُؤَخّرُهُمْ إلى أجَلٍ مُسَمّى يقول : ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا إلى أجل معلوم عنده ، محدود لا يقصرون دونه ، ولا يجاوزونه إذا بلغوه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهَ النّاسَ بِمَا كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابّةٍ إلاّ ما حمل نوح في السفينة .

وقوله : فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ فإنّ اللّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرا يقول تعالى ذكره : فإذا جاء أجل عقابهم ، فإن الله كان بعباده بصيرا من الذي يستحقّ أن يعاقب منهم ، ومن الذي يستوجب الكرامة ، ومن الذي كان منهم في الدنيا له مطيعا ، ومن كان فيها به مشركا ، لا يخفى عليه أحد منهم ، ولا يعزب عنه علم شيء من أمرهم .

آخر تفسير سورة فاطر

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

{ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } من المعاصي . { ما ترك على ظهرها } ظهر الأرض { من دابة } من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم . وقيل المراد بالدابة الإنس وحده لقوله : { ولكن يؤخرهم إلى جل مسمى } هو يوم القيامة . { فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا } فيجازيهم على أعمالهم .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة : أن أدخل من أي باب شئت " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

ثم بين تعالى الوجه في إمهاله من أمهل من عباده أن ذلك إنما هو لأن الآخرة من وراء الجميع وفيها يستوفى جزاء كل أحد ، ولو جازى عز وجل في الدنيا على الذنوب لأهلك الجميع ، وقوله تعالى : { من دابة } مبالغة ، والمراد بنو آدم لأنهم المجازون ، وقيل المراد الجن والإنس ، وقيل كل ما دب على الأرض من الحيوان وأكثره إنما هو لمنفعة ابن آدم وبسببه ، والضمير في { ظهرها } عائد على { الأرض } المتقدم ذكرها ، ولو لم يتقدم لها ذكر لأمكن في هذا الموضع لبيان الأمر ولكانت ك { توارت بالحجاب }{[9757]} [ ص : 32 ] ونحوها ، و «الأجل المسمى » القيامة ، وقوله { فإن الله كان بعباده بصيراً } توعد وفيه للمتقين وعد .


[9757]:من الآية (32) من سورة (ص).