بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

قوله عز وجل : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ } يعني : لو عاقبهم { مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا } يعني : على ظهر الأرض { مِن دَابَّةٍ } يعني : لهلكت الدواب من قحط المطر . قال قتادة : { مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا } من دابة إلا أهلكهم كما أهلك من كان في زمان نوح عليه السلام ويقال : { مِن دَابَّةٍ } يعني : من الجن والإنس فيعاقبهم بذنوبهم ، فيهلكهم . وقال مجاهد : { مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } يعني من هوام الأرض من العقارب ، ومن الخنافس . وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب بني آدم . ثم قرأ { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس } الآية . والعرب تكني عن الشيء إذا كان مفهوماً كما كنى ها هنا عن الأرض كقوله : { مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا } وَإِن لم يسبق ذكر الأرض .

ثم قال : { ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى } يعني : إلى الميعاد الذي وعدهم الله تعالى . ويقال : إلى الوقت الذي وقت لهم في اللوح المحفوظ { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } يعني : إلى انقضاء حياتهم . ويقال : هو البعث .

قال تعالى : { فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } يعني : عالماً بهم وبأعمالهم . روى الزهري عن سعيد بن المسيب قال : لما طعن عمر رضي الله عنه ، قال كعب : لو دعى الله عمر لأخر في أجله . فقال الناس : سبحان الله أليس قد قال الله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] فقال كعب : وقد قال : { والله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ } [ فاطر : 11 ] قال الزهري : فنرى أن ذلك ما لم يحضر الأجل فإذا حضر لم يؤخر ، وليس أحد إلا وعمره مكتوب في اللوح المحفوظ ، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .