{ أَولَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوةً ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاواتِ ولَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا 44 ولَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ولَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا 45 } [ 44 45 ] .
تساءلت الآية الأولى عما إذا كان الكفار لم يطوفوا في الأرض ولم يروا آثار عذاب الله في مساكن الأقوام السابقة ، ثم قررت أن أولئك الأقوام كانوا مع ذلك أشد قوة من هؤلاء الكفار فما أعجزوا الله لأنه لا يمكن أن يعجزه شيء في السماوات والأرض ، وهو العليم المحيط بكل شيء والقادر على كل شيء .
أما الآية الثانية فقد قررت سنة من سنن الله تعالى وحكمة من حكمه . فلو أن الله تعالى آخذ الناس بكل شيء كسبوه واجترحوه مؤاخذة عاجلة لما بقي على ظهر الأرض من يدبّ عليها ؛ لأن الناس مقصِّرون دائما عن القيام بواجباتهم نحوه ولا يفتأون يجترحون ما يستوجب المؤاخذة والعذاب . ولكن الله يمهلهم إلى الآجال المعينة في علمه ، فإذا ما جاءت أنزل بهم ما يستحقون ، وهو البصير بكل ما يستحقون ، لأنه المطلع على كل أمر من أمور عباده .
وصلة الآيتين بالسياق وبخاصة بالآيتين السابقتين لهما مباشرة لهما مباشرة واضحة . وفيهما توكيد وتدعيم لما احتوته الآية السابقة لهما مباشرة على ما نبهنا عليه .
والمتبادر أن السؤال الذي بدأت به الآية الأولى استنكاري ، وروح الآية تلهم أن المشركين قد طوفوا في مختلف البلاد ، ورأوا آثار الأمم السابقة أو بعضها ، وعرفوا أن ما حلّ بها كان عذابا ربانيّا بسبب انحرافاتهم وآثامهم وتكذيبهم لرسلهم . وبذلك تستحكم الحجة عليهم . وفي القرآن آيات عديدة تدل على ذلك منها آية سورة الفرقان هذه { ولَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا 40 } وآية سورة العنكبوت هذه { وعَادًا و َثَمُودَ وقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ38 } .
{ ولَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } وتلقينها
ولعل مما انطوى في جملة { ولَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } تقرير أن حكمة الله تعالى اقتضت اختبار الناس ومنحهم الفرص التي يختارون فيها ما تدفعهم إليه قابلياتهم ومواهبهم ومداركهم المودعة فيهم من طريق وعمل ، وعدم التعجيل في مؤاخذتهم لتكون لهم كذلك الفرصة للصلاح والإصلاح . والآية [ 37 ] من السورة احتوت تأييداً لهذا المعنى حيث خاطب الله تعالى الظالمين الذين حكت الآية ما سوف يطلبونه من العودة لإصلاح حالهم بأنهم قد أعطوا الفرصة الكافية ، وعمروا العمر الذي يمكن أن يتذكر فيه من أراد أن يتذكر ورغب في الحق والهدى . وفي هذا ما فيه من تدعيم لفكرة كون الصلاح والإصلاح من المبادئ القرآنية المحكمة التي شغلت جزءاً مهمّا في القرآن . وقد شرحناه ذلك أيضا في نبذة فكرة التوبة في الإسلام في سياق تفسير سورة البروج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.