معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

ومعنى قوله :{ كادح إلى ربك كدحاً } أي ساع إليه في عملك ، والكدح : عمل الإنسان وجهده في الأمر من الخير والشر حتى يكدح ذلك فيه ، أي يؤثر . وقال قتادة والكلبي الضحاك : عامل لربك عملاً ، { فملاقيه } أي ملاقي جزاء عملك خيراً كان أو شراً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

وفي هذا الجو الخاشع الطائع يجيء النداء العلوي للإنسان ، وأمامه الكون بسمائه وأرضه مستسلما لربه هذا الاستسلام :

( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . .

( يا أيها الإنسان ) . . الذي خلقه ربه بإحسان ؛ والذي ميزه بهذه " الإنسانية " التي تفرده في هذا الكون بخصائص كان من شأنها أن يكون أعرف بربه ، وأطوع لأمره من الأرض والسماء . وقد نفخ فيه من روحه ، وأودعه القدرة على الإتصال به ، وتلقي قبس من نوره ، والفرح باستقبال فيوضاته ، والتطهر بها أو الارتفاع إلى غير حد ، حتى يبلغ الكمال المقدر لجنسه ، وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة !

( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . . يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحا ، تحمل عبئك ، وتجهد جهدك ، وتشق طريقك . . لتصل في النهاية إلى ربك . فإليه المرجع وإليه المآب . بعد الكد والكدح والجهاد . .

يا أيها الإنسان . . إنك كادح حتى في متاعك . . فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد . إن لم يكن جهد بدن وكد عمل ، فهو جهد تفكير وكد مشاعر . الواجد والمحروم سواء . إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء ، وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان . . ثم في النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء .

يا أيها الإنسان . . إنك لا تجد الراحة في الأرض أبدا . إنما الراحة هناك . لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام . . والتعب واحد في الأرض والكدح واحد - وإن اختلف لونه وطعمه - أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك . . فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض . وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد . .

يا أيها الإنسان . . الذي امتاز بخصائص " الإنسان " . . ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله ، اختر لنفسك الراحة من الكدح عندما تلقاه .

ولأن هذه اللمسة الكامنة في هذا النداء ، فإنه يصل بها مصائر الكادحين عندما يصلون إلى نهاية الطريق ، ويلقون ربهم بعد الكدح والعناء :

( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ، ويصلى سعيرا . إنه كان في أهله مسرورا . إنه ظن أن لن يحور . بلى إن ربه كان به بصيرا ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الإِنسَانُ إِنّكَ كَادِحٌ إِلَىَ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ * فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَىَ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } .

يقول تعالى ذكره : يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به : خيرا كان عملُك ذلك أو شرّا يقول : فليكن عملُك مما يُنجيك من سُخْطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يُسخطه عليك فتهلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّك كَدْحا فَمُلاقِيهِ يقول : تعمل عملاً تلقى الله به خيرا كان أو شرّا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوّة إلا بالله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا قال : عامل له عملاً .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسمعته يقول في ذلك إنّكَ كادحُ إلى رَبّكَ كَدْحا قال : عامل إلى ربك عملاً ، قال : كدحا : العمل .