قوله : { يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ } .
قيل : المراد جنس الإنسان{[59660]} ، كقولك : يا أيها الرجل ، فكان خطاباً خص به كل واحد من الناس .
قال القفال{[59661]} : وهو أبلغ من العموم ؛ لأنه قائم مقام التنصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين ، بخلاف اللفظ العام .
وقيل : المراد منه رجل بعينه ، فقيل : هو محمد - عليه الصلاة والسلام - ، والمعنى : أنك تكدح في إبلاغ رسالات الله - تعالى - وإرشاد عباده ، وتحمل الضرر من الكفَّار ، فأبشر فإنك تلقى الله بهذا العمل .
وقال ابنُ عبَّاسٍ : هو أبيّ بن خلفٍ ، وكدحه : هو جده واجتهاده في طلب الدنيا ، وإيذاء الرسول - عليه الصلاة والسلام - والإصرار على الكفر{[59662]} .
الكَدْحُ : قال الزمخشريُّ{[59663]} : جَهْدُ النفس ، والكدْم فيه حتى يؤثر فيها ، ومنه كدح جلدهُ إذا خدشه ، ومعنى «كادح » أي : جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت . انتهى . وقال ابن نفيلِ : [ الطويل ]
5137- ومَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا *** أمُوتُ ، وأخرَى أبْتَغِي العَيْشَ أكْدَحُ{[59664]}
5138- ومَضَتْ بَشَاشَةُ كُلِّ عَيْشٍ صالحٍ *** وبَقِيتُ أكْدَحُ لِلْحياةِ وأنْصَبُ{[59665]}
وقال الراغب : وقد يستعمل الكدح دون الكلام بالأسنان .
وقال الخليل : الكدحُ دون الكدم .
معنى «كادحُ إلى ربِّك » أي : ساع إليه في عملك .
والكدحُ : عمل الإنسان وجهده في الخير والشر .
قال قتَادةُ والكلبيُّ والضحاكُ : عامل لربك عملاً{[59666]} ، وقوله تعالى : { إلى رَبِّكَ } أي : إلى لقاء ربك ، وهو الموت ، أي : هذا الكدح استمر إلى هذا الزمن .
وقال القفال{[59667]} : تقديره : أنك كادح في دنياك مدحاً تصير به إلى ربك .
قوله : «فمُلاقِيهِ » : يجوز أن يكون عطفاً على [ «إنك ]{[59668]} كادح » ، والسبب فيه ظاهر ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمرٍ ، أي : فأنت ملاقيه ، وقد تقدم أنه يجوز أن يكون جواباً للشرط .
وقال ابن عطية{[59669]} : فالفاء على هذا عاطفة جملة الكلام على التي قبلها ، والتقدير : فأنت ملاقيه . يعني بقوله : «على هذا » أي : على عود الضَّمير على كدحكَ .
قال أبو حيَّان{[59670]} : «ولا يتعين ما قاله ، بل يجوز أن يكون من عطف المفردات » .
والضميرُ في «فملاقيه » : إمَّا للربِّ ، أي : ملاقي حكمه لا مفر لك منه . قاله الزجاج .
وإمَّا ل «الكدح » إلا أن الكدحَ عمل ، وهو عرض لا يبقى ، فملاقاته ممتنعة ، فالمراد : جزاءُ كدحكَ .
وقال ابنُ الخطيب{[59671]} : المراد : ملاقاة الكتاب الذي فيه بيان تلك الأعمال ، ويتأكد هذا بقوله بعده : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.