التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

ثم وجه - سبحانه بعد ذلك نداء للإِنسان ، دعاه فيه إلى طاعته وإخلاص العبادة له ، فقال : { ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } والمراد بالإِنسان هنا : جنسه .

وأصل الكدح فى كلام العرب : السعى فى سبيل الحصول على الشئ بجد واجتهاد وعناء .

مأخوذ من كدح فلان جلده ، إذا خدشه ، ومنه قول الشاعر :

وما الدهر إلا تارتان فمنهما . . . أموت ، وأخرى أبتغى العيش أكدحُ

وقول الآخر :

ومضت بشاشة كل عيش صالح . . . وبقيت أكدح للحياة وأَنْصِبُ

أى : وبقيت أسعى سعيا حثيثا للحياة ، وأتعب من أجل الحصول على مطالبى فيها .

والضمير فى قوله : { فَمُلاَقِيهِ } يعود إلى الله - تعالى - ، ويصح أن يعود للكدح ، بمعنى ملاق جزاء هذا الكدح .

والمعنى : يأيها الإِنسان إنك اباذل فى حياتك جهدا كبيرا من أجل مطالب نفسك .

وإنك بعد هذا الكدح والعناء . . مصيرك فى النهاية إلى لقاء ربك ، حيث يحاسبك على عملك وكدحك . . فقدم فى دنياك الكدح المشروع ، والعمل الصالح .

والسعى الحثيث فى طاعته - تعالى - ، لكى تنال ثواب ربك ورضاه .

قال ابن كثير : وقوله : { ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً } أى : ساع إلى ربك سعيا ، وعامل عملا { فَمُلاَقِيهِ } ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر .

ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسى . . عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال جبريل : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه " .

ومن الناس من يعيد الضمير على قوله { رَبِّكَ } أى : فملاق ربك فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك ، وعلى هذا فكلا القولين متلازم .