الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

قوله : { كَادِحٌ } : الكَدْحُ : قال الزمخشري : " جَهْدُ النفس [ في العمل ] والكَدُّ فيه ، حتى يُؤَثِّر فيها ، ومنه كَدَح جِلِدَه إذا خَدَشَه . ومعنى " كادِحٌ " ، أي : جاهِدٌ إلى لقاءِ ربِّك وهو الموتُ " . انتهى . وقال ابن مقبل :

وما الدَّهْرُ إلاَّ تارتان فمِنْهما *** أموتُ وأخرى أَبْتغي العيشَ أَكْدَحُ

وقال آخر :

ومَضَتْ بَشاشَةُ كلِّ عيشٍ صالحٍ *** وبَقِيْتُ أكْدَحُ للحياةِ وأَنْصَبُ

وقال الراغب : " وقد يُستعمل الكَدْحُ استعمالَ الكَدْمِ بالأسنان . قال الخليل : الكَدْحُ دونَ الكَدْم " .

قوله : { فَمُلاَقِيهِ } يجوزُ أَنْ يكونَ عطفاً على كادح . والتسبيبُ فيه ظاهرٌ . ويجوز أَنْ يكونَ خبر مبتدأ مضمرٍ ، أي : فأنت مُلاقيه . وقد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ جواباً للشرط . وقال ابنُ عطية : " فالفاءُ على هذا عاطفةٌ جملةَ الكلامِ على التي قبلها . والتقدير : فأنت مُلاقيه " يعني بقوله : " على هذا " ، أي : على عَوْدِ الضميرِ على كَدْحِك . قال الشيخ : " ولا يَتَعَيَّنُ ما قاله ، بل يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عَطْف المفردات " . والضمير : إم‍َّا للربِّ ، وإمَّا للكَدْح ، أي : مُلاقٍ جزاءَ كَدْحِك .