السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

واختلف في الإنسان في قوله تعالى : { يا أيها الإنسان } أي : الآنس بنفسه الناسي لأمر ربه { إنك كادح } فقيل : المراد جنس الإنسان كقولك : يا أيها الرجل ، فكأنه خطاب خص به أحد من الناس . قال القفال : وهو أبلغ من العموم ؛ لأنه قائم مقام التنصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين بخلاف اللفظ العامّ . وقيل : المراد منه رجل بعينه ، فقيل : هو محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى : إنك كادح في إبلاغ رسالات الله تعالى وإرشاد عباده وتحمل الضرر من الكفار ، فأبشر فإنك تلقى الله تعالى بهذا العمل . وقال ابن عباس : هو أبيّ بن خلف وكدحه هو جدّه واجتهاده في طلب الدنيا ، وإيذاء النبيّ صلى الله عليه وسلم والإصرار على الكفر . والكدح : جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه .

ومعنى كادح { إلى ربك } أي : جاهد إلى لقائه وهو الموت ، أي : هذا الكدح يستمرّ إلى هذا الزمن وقال القفال : تقديره إنك كادح في دنياك . { كدحاً } تصير إلى ربك . وقوله تعالى : { فملاقيه } يجوز أن يكون عطفاً على كادح ، والسبب فيه ظاهر ، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي : فأنت ملاقيه ، وقيل : جواب إذا ، والضمير في ملاقيه إمّا للرب أي : ملاقي حكمه لا مفر لك منه ، وإمّا للكدح إلا أنّ الكدح عمل وهو عرض لا يبقى ، فملاقاته ممتنعة ، فالمراد جزاء كدحك من خير أو شرّ . وقال الرازي : المراد ملاقاة الكتاب الذي فيه بيان تلك الأعمال ، ويؤكد هذا قوله تعالى بعده : { فأمّا من أوتي كتابه بيمينه } .