البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

الكدح : جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها ، من كدح جلده إذا خدشه ، قال ابن مقيل :

وما الدهر إلا تارتان فمنهما *** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

وقال آخر :

ومضت بشاشة كل عيش صالح *** وبقيت أكدح للحياة وأنصب

وجواب إذا محذوف ، فإما أن يقدره الذي خرج به في سورة التكوير أو الانفطار ، أو ما يدل عليه : { إنك كادح } ، أي لاقى كل إنسان كدحه .

وقال الأخفش والمبرد : هو ملاقيه ، إذا انشقت السماء فأنت ملاقيه .

وقيل : { يا أيها الإنسان } ، على حذف الفاء تقديره : في أيها الإنسان .

والإنسان : يراد به الجنس ، والتقسيم بعد ذلك يدل عليه .

وقال مقاتل : المراد به الأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي ، جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث ، فقال أبو سلمة : والذي خلقك لتركبن الطبقة ولتوافين العقبة .

فقال الأسود فأين : الأرض والسماء وما جال الناس ؟ انتهى .

وكان مقاتلاً يريد أنها نزلت في الأسود ، وهي تعم الجنس .

وقيل : المراد أبيّ بن خلف ، كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والإصرار على الكفر .

وأبعد من ذهب إلى أنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : إنك تكدح في إبلاغ رسالات الله تعالى وإرشاد عباده واحتمال الضر من الكفار ، فأبشر فإنك تلقى الله بهذا العمل ، وهو غير ضائع عنده .

{ إنك كادح } : أي جاهد في عملك من خير وشر إلى ربك ، أي طول حياتك إلى لقاء ربك ، وهو أجل موتك ، { فملاقيه } : أي جزاء كدحك من ثواب وعقاب .

قال ابن عطية : فالفاء على هذا عاطفة جملة الكلام على التي قبلها ، والتقدير : فأنت ملاقيه ، ولا يتعين ما قاله ، بل يصح أن يكون معطوفاً على كادح عطف المفردات .

وقال الجمهور : الضمير في ملاقيه عائد على ربك ، أي فملاقي جزائه ، فاسم الفاعل معطوف على اسم الفاعل .