معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

قوله تعالى : { ولما جاءت رسلنا } ، يعني : هؤلاء الملائكة ، { لوطا } ، على صورة غلمان مرد حسان الوجوه ، { سيء بهم } ، أي : حزن لوط بمجيئهم ، يقال : سؤته فسيء ، كما يقال : سررته فسر . { وضاق بهم ذرعاً } ، أي : قلبا . ويقال : ضاق ذرع فلان بكذا : إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه ، وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم . { وقال هذا يوم عصيب } ، أي : شديد كأنه عصب به الشر والبلاء ، أي : شد . قال قتادة و السدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام نحو قرية لوط فأتوا لوطا نصف النهار ، وهو في أرض له يعمل فيها . وقيل : إنه كان يحتطب . وقد قال الله تعالى لهم : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فاستضافوه فانطلق بهم ، فلما مشى ساعة قال لهم : ما بلغكم أمر أهل هذه القرية : قالوا : وما أمرهم ؟ قال : أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا . يقول ذلك أربع مرات ، فدخلوا معه منزله . وروي : أن الملائكة جاؤوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيت لوط ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، وقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا } أي : الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا { لُوطًا سِيءَ بِهِمْ } أي : شق عليه مجيئهم ، { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } أي : شديد حرج ، لأنه علم أن قومه لا يتركونهم ، لأنهم في صور شباب ، جرد ، مرد ، في غاية الكمال والجمال ، ولهذا وقع ما خطر بباله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

«الرسل » هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السلام ، وذلك أنهم لما خرجوا إلى بلد لوط - وبينه وبين قرية إبراهيم ثمانية أميال - وصلوه ، فقيل : وجدوا لوطاً في حرث له ، وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم - وهي أكبر حواضر قوم لوط - فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط ، وقالت لهم : مكانكم ؛ وذهبت إلى أبيها فأخبرته ، فخرج إليهم ، فقالوا له : نريد أن تضيفنا الليلة ، فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا وما عملهم ؟ فقال أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض وقد كان الله عز وجل قال للملائكة : لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما قال لوط هذه قال جبريل لأصحابه : هذه واحدة وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل لوط بهم المدينة وحينئذ { سيء بهم } أي أصابه سوء . و { سيء } فعل بني للمفعول ، و «الذرع » : مصدر مأخوذ من الذراع ، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به : ضاق بهذا الأمر ذراع فلان ، وذرع فلان ، أي حيلته بذراعه ، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا : فلان رحب الذراع ، إذا وصفوه باتساع القدرة ومنه قول الشاعر :

يا سيد ما أنت من سيد*** موطأ الأكناف رحب الذراع{[6440]}

وقوله : { هذا يوم عصيب } أشار به إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه واحتياجه إلى المدافعة مع ضعفه عنها ، و { عصيب } بناء اسم فاعل معناه : يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة{[6441]} إذا أراد خبطها ونفض ورقها ، ومنه قول الحجاج في خطبته : ولأعصبنكم عصب السلمة ، فهو من العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب ، ومنه قول الشاعر ، وهو عدي بن زيد : [ الوافر ]

وكنت لزاز خصمك لم أعرد*** وقد سلكوك في يوم عصيب{[6442]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

فإنك إلا ترض بكر بن وائل*** يكنْ لك يوم بالعراق عصيب{[6443]}

ف «عصيب » - بالجملة - في موضع شديد وصعب الوطأة ، واشتقاقه كما ذكرنا .


[6440]:- الأكناف: جمع كنف وهو الجانب والناحية، وكنفا الرجل: جانباه وناحيتاه عن يمينه وشماله، وهما حضناه، والموطأ: السهل اللين الدمث الأخلاق الكريم، يقال: فلان وطيء الخلق، وفيه وطاءة الخلق ووضاءة الخلق، ويقال للمضياف: موطأ الأكناف إذا لم ينب جانبه عن النّزّل. وقد وضح ابن عطية معنى "رحب الذارع".
[6441]:- السّلمة: شجرة من العضاة ذات شوك، وورقها القرظ الذي يدبغ به الأديم، ومن الصعب خرط ورقها لكثرة شوكها، فتعصب أغصانها بأن تُجمع ويُشدّ بعضها إلى بعض بحبل شدا شديدا، ثم يهصرها الخابط إليه ويخبطها بعصاه فيتناثر ورقها للماشية ولمن أراد جمعه، قال الشاعر يشبه الجهد الذي يصيب الأبطال في المعارك بعصب الرجل القوي السلم الطوال: يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم الطوالا.
[6442]:- عدي بن زيد شاعر جاهلي، اتصل بكسرى وسفر بينه وبين ملك الروم، وهو ربيب النعمة والحضارة لكنه بدوي اللفظ، وهو في بيته هذا يخاطب النعمان في قصيدة اعتذار، ويقول له فيه: لقد بقيت إلى جانبك أمنع عنك حتى في الأوقات العصبية. ولزاز: أي كنت ملازما لخصمك لا أدعه يخالف أو يعاند، وأصل اللّزاز: ما يترس به الباب. ولم أعرّد: لم أحجم ولم أتراجع، والتعريد: الفرار أو سرعة الذهاب في الهزيمة. وسلكوك: أدخلوك يقال: سلكت الشيء في الشيء فانسلك، أي أدخلته فيه فدخل، والعصيب: الشديد، وهو من عصب على وزن ضرب، قال الراغب: يصح أن يكون بمعنى فاعل، وأن يكون بمعنى معفول، أي: يوم مجموع الأطراف، كقولهم: يوم ككفة حابل وحلقة خاتم.
[6443]:- بكر بن وائل قبيلة كانت تسكن العراق أو قريبا منه، وهو مثل الشاهد السابق عليه في أن اليوم العصيب هو الشديد، والمعنى: إذا لم تفعل ما ترضاه قبيلة بكر بن وائل فستلقى منهم بالعراق يوما شديد الشرّ. هذا ومثل الشاهدين السابقين قول كعب بن جعيل: ويلبّون بالحضيض فئام عارفات منه بيوم عصيب.