اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

قوله تعالى : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً } قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : انطلقُوا من عند إبراهيم إلى " لُوطٍ " [ و ] بين القريتين أربعة فراسخَ ، ودخلوا عليه على صورة غلمان مرد حسان الوجوه{[18903]} .

قوله : { سياء بِهِمْ } فعلٌ مبنيٌّ للمفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعل ضمير " لُوطٍ " من قولك : " سَاءَنِي كَذا " أي : حصل لي سُوءٌ ، و " بِهِمْ " متعلقٌ به ، أي : بسببهم ، يقال : سؤته فسيء كما يقال : سَرَرْتُه فَسُرَّ ، ومعناهُ : سَاءَهُ مَجِيئُهم وسَاءَ يَسُوءُ فعل لازم .

قال الزجاجُ : " أصله " سُوىءَ بِهِمْ " إلاَّ أنَّ الواو أسكنت ونقلت كسرتها إلى السين " .

و " ذَرْعاً " نصبٌ على التَّمييز ، وهو في الأصل مصدر ذرع البعير يذرع بيديه في سيره إذا سار على قدر خطوه ، اشتقاقاً من الذِّراع ، تُوسِّع فيه فوضع موضع الطَّاقة والجهد . فقيل : ضاقَ ذَرْعُه ، أي طاقته ؛ قال : [ البسيط ]

. . . *** فاقْدِرْ بِذرْعِكَ وانْظُرْ أيْنَ تَنْسَلِكُ{[18904]}

وقد يقعُ الذِّراعُ موقعهُ ؛ قال : [ الوافر ]

إذَا التَّيَّازُ ذُو العضلاتِ قُلْنَا *** إلَيْكَ إلَيْكَ ضَاقَ بِهَا ذِرَاعا{[18905]}

قيل : هو كنايةٌ عن ضيق الصَّدْرِ .

وقوله : " عَصِيبٌ " العَصِبُ والعَصبْصَبُ والعَصُوب : اليومُ الشَّديدُ الكثيرُ الشَّرَّ ، الملتفُّ بعضه ببعض قال : [ الوافر ]

وكُنْتَ لِزازَ خَصْمِكَ لَمْ أعَرِّدْ *** وَقَدْ سَلكُوكَ في يومٍ عَصِيبِ{[18906]}

وعن أبي عبيدة : " سُمِّي عصيباً ؛ لأنَّه يعصبُ النَّاسَ بالشَّرِّ " . كأنَّه عصب به الشَّر والبلاء أي : حشدوا والعِصَابةُ : الجماعةُ من النَّاس سُمُّوا بذلك لإحاطتهم إحاطة العصابة .

والمعنى : أنَّ لوطاً لمَّا نظر إلى حسن وجوههم ، وطيب روائحهم ، أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشةِ ، وعلم أنَّه سيحتاجُ إلى المدافعة عنهم ، فلذلك ضاق بهم ذَرْعاً أي : قَلْباً .

يقال : ضَاقَ ذَرْعُ فلان بكذا ، إذا وقع في مكروهٍ ، ولا يطيقُ الخُروج منه .


[18903]:ذكره الرازي في "تفسيره" (18/26).
[18904]:تقدم.
[18905]:البيت للقطامي: ينظر: الديوان (4) والتهذيب 13/237 والبحر المحيط 5/238 ومعاني الفراء 1/256 والخصائص 3/102 وزاد المسير 4/136 والدر المصون 4/117.
[18906]:البيت لعدي بن زيد. ينظر: الديوان 39 والأغاني 2/111 وجامع البيان 15/409 واللسان (سلك) والدر المصون 4/117 ومجاز القرآن 1/294.