إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

{ وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً } قال ابن عباس رضي الله عنهما : انطلَقوا من عند إبراهيمَ عليه السلام إلى لوط عليه السلام وبين القريتين أربعةُ فراسخَ ودخلوا عليه في صور غِلمانٍ مُرْدٍ حسانِ الوجوه فلذلك { سيء بِهِمْ } أي ساءه مجيئُهم لظنه أنهم أناسٌ فخاف أن يقصِدهم قومُه ويعجِزَ عن مدافعتهم ، وقرأ نافعٌ وابن عامر ، والكسائي وأبو عمرو : سيء وسيئت بإشمام السينِ الضمَّ . روي أن الله تعالى قال للملائكة : «لا تُهلكوهم حتى يشهد عليهم لوطٌ أربعَ شهادات » فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله قال لهم : أما بلغكم أمرُ هذه القريةِ ؟ قالوا : وما أمرُها ؟ قال : أشهد بالله إنها لشرُّ قريةٍ في الأرض عملاً ، يقول ذلك أربعَ مراتٍ فدخلوا معه منزلَه ولم يعلم بذلك أحدٌ فخرجت امرأتُه فأخبرت به قومَها وقالت : إن في بيت لوطٍ رجالاً ما رأيتُ مثلَ وجوهِهم قط { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } أي ضاق بمكانهم صدرُه أو قلبُه أو وسعُه وطاقتُه وهو كنايةٌ عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروهِ والاحتيال فيه ، وقيل : ضاقت نفسُه عن هذا الحادثِ ، وذِكرُ الذرعِ مثلٌ وهو المساحة ، وكأنه قدْرُ البدنِ مجازاً أي إن بدنَه ضاق قدرُه من احتمال ما وقع ، وقيل : الذراعُ اسمٌ للجارحة من المِرْفق إلى الأنامل ، والذرْعُ مدُّها ، ومعنى ضيقِ الذرع في قوله تعالى : { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } قصرُها كما أن معنى سعتِها وبسطتها طولُها ، ووجهُ التمثيلِ بذلك أن القصيرَ الذراعِ إذا مدها ليتناول ما يتناول الطويلُ الذراعِ تقاصر عنه وعجِز عن تعاطيه ، فضُرب مثلاً للذي قصُرت طاقتُه دون بلوغِ الأمر { وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ } شديدٌ ، من عصَبه إذا شدّه .