معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

قوله تعالى : { انفروا خفافا وثقالا } ، قال الحسن والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة : شبانا وشيوخا . وعن ابن عباس : نشاطا وغير نشاط . وقال عطية العوفي : ركبانا ومشاة . وقال أبو صالح : خفافا من المال ، أي فقراء ، وثقالا أي : أغنياء . وقال ابن زيد : الثقيل الذي له الضيعة ، فهو ثقيل يكره أن يدع ضيعته ، والخفيف لا ضيعة له . ويروى عن ابن عباس قال : خفافا أهل المسيرة من المال ، وثقالا أهل العسرة . وقيل : خفافا من السلاح ، أي : مقلين منه ، وثقالا أي : مستكثرين منه . وقال الحكم بن عتيبة : مشاغيل وغير مشاغيل . وقال مرة الهمذاني : أصحاء ومرضى . وقال يمان بن رباب : عزابا ومتأهلين . وقيل : خفافا من حاشيتكم وأتباعكم ، وثقالا مستكثرين بهم . وقيل : خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير ، وثقالا بعد التروي فيه والاستعداد له . " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " ، قال الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه ، فقيل له : إنك عليل صاحب ضر ، فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع . وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس : نسخت هذه الآية بقوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } . وقال السدي : لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله تعالى وأنزل : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

{ 41 - 42 } { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

يقول تعالى لعباده المؤمنين -مهيجا لهم على النفير في سبيله فقال : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } أي : في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والحر والبرد ، وفي جميع الأحوال .

{ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي : ابذلوا جهدكم في ذلك ، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس ، وفي هذا دليل على أنه -كما يجب الجهاد في النفس- يجب الجهاد في المال ، حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك .

ثم قال : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : الجهاد في النفس والمال ، خير لكم من التقاعد عن ذلك ، لأن فيه رضا اللّه تعالى ، والفوز بالدرجات العاليات عنده ، والنصر لدين اللّه ، والدخول في جملة جنده وحزبه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

هذا أمر من الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالنفر إلى الغزو فقال بعض الناس هذا أمر عام لجميع المؤمنون تعين به الفرض على الأعيان في تلك المدة ، ثم نسخه الله عز وجل ، بقوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة }{[5662]} ، روي ذلك عن الحسن وعكرمة ، وقال جل الناس : بل هذا حض والأمر في نفسه موقوف على فرض الكفاية ولم يقصد بالآية فرضه على الأعيان ، وأما قوله { خفافاً وثقالاً } فنصب على الحال من الضمير في قوله { انفروا } ، ومعنى الخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر{[5663]} بسهولة ومن يمكنه بصعوبة ، وأما من لا يمكنه كالعمي ونحوهم فخارج عن هذا .

وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعليَّ أن أنفر ؟ فقال له نعم ، حتى نزلت { ليس على الأعمى حرج }{[5664]} ، وذكر الناس من معاني الخفة والثقل أشياء لا وجه لتخصيص بعضها دون بعض ، بل هي وجوه متفقة ، فقيل «الخفيف » الغني «والثقيل » الفقير : قاله مجاهد ، وقيل الخفيف الشاب والثقيل الشيخ قاله الحسن وجماعة ، وقيل الخفيف النشيط والثقيل الكاسل ، قاله ابن عباس وقتادة ، وقيل المشغول ومن لا شغل له قاله الحكم بن عيينة وزيد بن علي ، وقيل الذي له ضيعة هو الثقيل ومن لا ضيعة له هو الخفيف قاله ابن زيد : وقيل الشجاع هو الخفيف والجبان هو الثقيل حكاه النقاش ، وقيل الرجل هو الثقيل والفارس هو الخفيف قاله الأوزاعي .

قال القاضي أبو محمد : وهذان الوجهان الآخران ينعكسان ، وقد قيل ذلك ولكنه بحسب وطأتهم على العدو فالشجاع هو الثقيل وكذلك الفارس والجبان هو الخفيف وكذلك الراجل وكذلك ينعكس الفقير والغني فيكون الغني هو الثقيل بمعنى صاحب الشغل ومعنى هذا أن الناس أمروا جملة .

وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة ، وقال أبو طلحة : ما أسمع الله عذراً أحداً وخرج إلى الشام فجاهد حتى مات .

وقال أبو أيوب : ما أجدني أبداً إلا ثقيلاً أو خفيفاً ، وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلاً سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال له يا عم إن الله قد عذرك ، فقال يا ابن أخي إنَّا قد أمرنا بالنفر خفافاً وثقالاً ، وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص وهو على تابوت صراف وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو فقال له لقد عذرك الله ، فقال أتت علينا سورة البعوث { انفروا خفافاً وثقالاً } ، وروي سورة البحوث ، وقوله تعالى : { بأموالكم وأنفسكم } وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفسه عند الله تعالى : فحض على كمال الأوصاف ، وقدمت الأموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز فرتب الأمر كما هو في نفسه ، ثم أخبر أن ذلك لهم خير للفوز برضى الله وغلبة العدو ووراثة الأرض ، وفي قوله : { إن كنتم تعلمون } تنبيه وهز للنفوس .


[5662]:- من الآية (12) من سورة (التوبة).
[5663]:- في بعض النسخ: لمن يمكنه النّفر.
[5664]:- تكررت- فهي في الآية (61) من سورة (النور)، وفي الآية (17) من سورة (الفتح) وهي المقصودة هنا.