تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

خفافا : جمع خفيف والمراد : النشاط والسرعة في الحركة ومن يستطيع التأهب بيسر .

ثقالا : جمع ثقيل وهو : كل من وجد صعوبة في السفر والتأهب إليه بمشقة . أي انفروا على كل حال .

بعد أن توعدّ من لم ينفِروا مع الرسول وتثاقلوا حين استنفرهم ، جاء بأمر حازم لا هوادةَ فيه ، فأوجب النفير العام على كل فرد ، فلا عذرَ لأحدٍ في التخلّف وتركِ الطاعة .

{ انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله } .

أيها المؤمنون ، إذا دعى داعي الجهاد فلبُّوا النداء ، وانفِروا على كل حال ، من يُسرٍ أو عسرِ ، أو صحة أو مرض . فعندما يعتدي عدوّ على بلد من بلاد الإسلام يجب الجهادُ على كل فرد قادر ولو بمشقّة ، فإذا أُعِلن النفِيرُ العام وجَبَ الامتثال إلا في حال العجزِ التام ، وهو ما بيّنه الله تعالى بقوله : { لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ } [ التوبة : 92 ] .

وجاهِدوا أعداءكم الذين يقاتلونكم ويعتدون على بلادِكم . . . بأموالكم وأنفسكم ، فمن استطاع الجهادَ بماله وبنفسه وجب ذلك عليه ، ومن قَدَر على أحدهما وجبَ عليه ما كان في مقدرته . والآن ، والعدو يحتل جزءا غاليا ن بلادنا المقدسة هو فلسطين ، فإن الجهاد واجب بالمال والنفس على كل مُسلمٍ وعربيّ في جميع بلاد الإسلام ، وكل من يتخلّف فهو آثم ومقصِّر ، وخارج عن طاعة اللهِ ورسوله . وقد قال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه : «ما تركتْ أمةٌ الجهادَ إلا وقَرَنَها الله بالذلّ » .

{ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .

إنَّ الذي أُمرتم به من النفير العام والجهاد في سبيل الله ، هو الوسيلةُ في حِفظِ كيان الأمة وعلو كلمتها . وهو خير لكم في دِينكم ودُنياكم . . .

أما في الدين فلا سعادة إلا لمن ينصر الحقَّ ويُقيم العدل . وأما في الدنيا فلا عزّ لأمةٍ إلا بالقوة ، فهي وسيلة لدفع العدوّ وكبحِ جماحه . وقد علم فضلَ ذلك أسلافنا من المؤمنين الصادقين فامتثلوا واهتدوا ففتحوا البلادَ وسادوا العباد .

قال القرطبي عند تفسير هذا الآية : «قال ابن العربي : ولقد نَزلَ بنا العدوُّ - قصمه الله- سنة سبعٍ وعشرين وخمسمائة ، فجاس ديارَنا وأسَرَ خِيرتنا ، وتوسّط بلادنا في عدد هالَ الناسَ عددُه ، فقلت للوالي عليه : هذا عدوُّ الله قد حَصَل في الشَرَك والشبكة ، فلتكنْ عندكم بَرَكة ، ولتظهرْ منكم إلى نُصرة الدين المتعيِّنةِ عليكم حَرَكة ، فليخرجْ إليه جميع الناسِ حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار ، فيُحاط به ، فإنه هالك لا محالةَ أن يسَّركم الله له . فغَلبت الذنوبُ ورجفت القلوب بالمعاصي ، وصار كل واحدٍ من الناس ثعلباً يأوي إلى وِجَارِه وإن رأى المكيدةَ بِجارِه ، فإنا لله وإنّا إليه راجعون » . الوجار : حُجر الثعلب .

أليس هذا ينطبق علينا اليوم في موقفنا من اليهود ! ! نحن أكثرُ منهم عددا ، وأغنى ثروةً ، وأقوى ، ولدينا كل الإمكانات لنحاربَهم ونسترد بلادنا منهم ، ولكن غلبت الذنوبُ ورجفت القلوب بالمعاصي . . .