غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

38

ثم لما توعد من لا ينفر مع الرسول وضرب له من الأمثال ما وصف عقبه بالأمر الجزم فقال { انفروا خفافاً وثقالاً } قال المفسرون : أي خفافاً في النفور لنشاطكم وثقالاً عنه لمشقته عليكم ، أو خفافاً لقلة عيالكم وثقالاً لكثرتهم ، أو خفافاً من السلام وثقالاً منه ، أو ركباناً ومشاة ، أو شباناً وشيوخاً ، أو مهازيل وسماناً ، أو صحاحاً ومراضاً ، والصحيح التعميم ، وأن المراد انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد معها أو على ضدها . قال الأكثرون : ظاهر هذا الأمر يقتضي تناول جميع الناس حتى المرضى والعاجزين ويؤيده ما روي عن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أعليّ أن أنفر ؟ قال : ما أنت إلا خفيف أو ثقيل فرجع إلى أهله ولبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله { ليس على الأعمى حرج } [ النور : 61 ] وقال مجاهد : إن أبا أيوب شهد بدراً مع الرسول الله ولم يتخلف عن غزوات المسلمين ويقول : قال الله { انفروا خفافاً وثقالاً } فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً . وعن صفوان بن عمرو قال : كنت والياً على حمص فلقيت شيخاً كبيراً قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو فقلت : يا عم لقد أعذر الله إليك . فرفع حاجبيه وقال : يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً إلا أنه من يحبه الله يبتليه . وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل : إنك عليل صاحب ضرر . فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل فإن لم تمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع . وعن أنس قال : قرأ أبو طلحة هذه الآية فقال : ما أسمع الله عذر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات . وقال السدي : جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عظيماً سميناً وشكا إليه وسأله أن يأذن له فنزل فيه { انفروا خفافاً وثقالاً } فاشتد شأنها على الناس فنسخها الله بقوله { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } [ التوبة : 91 ] الآية ؟ وقيل : لا حاجة إلى التزام النسخ لأن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك بالاتفاق ، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم خلف من النساء والرجال أقواماً فذلك يدل على أن هذا الوجوب ليس على الأعيان ولكنه من فروض الكفايات . فمن أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يخرج لزمه ذلك ومن أمره أن يبقى لزمه أن يبقى . ولقائل أن يقول : لا نزاع في هذا إنما النزاع في الضعفاء والمرضى . ثم قال { وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم } وفي إيجاب للجهاد بهما إن أمكن ، أو بالنفس إن لم يكن مال زائد على أسباب الجهاد ، أو بالمال بأن يستنيب من يغزو وعنه إن لم تكن له نفس سليمة صالحة للجهاد وهذا قول كثير من العلماء . { ذلكم خير لكم } يعني أنه خير في نفسه أو أنه خير من القعود لما فيه من الراحة والدعة والنعيم العاجل . وإنما قال { إن كنتم تعلمون } لأن ما يحصل من الخيرات في الجهاد لا يدرك إلا بالتأمل ولا يعرفه إلا المؤمن الذي عرف بالدليل أن وعد الله حق .

/خ49