إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

{ انفروا } تجريدٌ للأمر بالنفور بعد التوبيخِ على تركه الأنكار على المساهلة فيه وقوله تعالى : { خِفَافًا وَثِقَالاً } حالان من ضمير المخاطبين أي على أيّ حالٍ كان من يُسر وعُسر حاصلَين بأي سببٍ كان من الصِحة والمرض ، أو الغِنى والفقر ، وقلةِ العيال وكثرتِهم أو غير ذلك مما ينتظمه مساعدةُ الأسباب وعدمُها بعد الإمكان والقدرةِ في الجملة ، وما ذكر في تفسيرهما من قولهم : خفافاً لقلة عيالِكم وثقالاً لكثرتها أو خِفافاً من السلاح وثِقالاً منه أو رُكباناً ومُشاةً أو شباناً وشيوخاً أو مهازيلَ وسِماناً أو صِحاحاً ومِراضاً ليس لتخصيص الأمرَين المتقابلَين بالإرادة من غير مقارنةٍ للباقي وعن ابن أمّ مكتومٍ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أعليّ أن أنفِر ؟ قال عليه الصلاة والسلام : «نعم » حتى نزل { ليْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ } وعن ابن عباس رضي الله عنهما نسخت بقوله عز وجل : { لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى } [ التوبة : 91 ] الآية { وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ في سَبِيلِ الله } إيجابٌ للجهاد بهما إن أمكن وبأحدهما عند إمكانِه وإعوازِ الآخَر ، حتى إن من ساعده النفسُ والمالُ يجاهدُ بهما ومن ساعده المالُ دون النفسِ يغزو مكانَه منْ حالُه على عكس حالِه . إلى هذا ذهب كثيرٌ من العلماء وقيل : هو إيجابٌ للقسم الأول فقط { ذلكم } أي ما ذكر من النفير والجهادِ ، وما في اسم الإشارةِ من معنى البعدِ للإيذان ببعد منزلِته في الشرف { خَيْرٌ لكُمْ } أي خيرٌ عظيمٌ في نفسه أو خبر مما يبتغى بتركه من الراحة والدعةِ وسَعةِ العيشِ والتمتع بالأموال والأولاد { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي تعلمون الخيرَ علمتم أنه خيرٌ أو إن كنتم تعلمون أنه خيرٌ إذ لا احتمال لغير الصدقِ في أخبار الله تعالى فبادروا إليه .