فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال : { انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } أي : حال كونكم خفافاً وثقالاً ، قيل المراد : منفردين أو مجتمعين . وقيل : نشاطاً وغير نشاط . وقيل : فقراء وأغنياء . وقيل : شباباً وشيوخاً . وقيل : رجالاً وفرساناً ، وقيل : من لا عيال له ومن له عيال ، وقيل : من يسبق إلى الحرب كالطلائع ، ومن يتأخر كالجيش ، وقيل : غير ذلك . ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ، لأن معنى الآية : انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت . قيل : وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى } ، وقيل : الناسخ لها قوله : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ } الآية . وقيل : هي محكمة وليست بمنسوخة ، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله : { لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ } وإخراج الضعيف والمريض بقوله : { لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى } من باب التخصيص ، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله : { خِفَافًا وَثِقَالاً } والظاهر : عدم دخولهم تحت العموم . قوله : { وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله } فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد ، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم ، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم . والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها ، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدوّ وبدفعه ، فإن كان لا يقوم بالعدوّ إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض ، أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين ، والإشارة بقوله : { ذلكم } إلى ما تقدّم من الأمر بالنفير ، والأمر بالجهاد { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : خير عظيم في نفسه ، وخير : من السكون والدعة { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ذلك ، وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة .

/خ42