قوله تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء } ، بالنهار ، { والقمر نورا } بالليل . وقيل : جعل الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور ، { وقدره منازل } أي : قدر له ، يعنى هيأ له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها ، ولم يقل : قدرهما . قيل : تقدير المنازل ينصرف إليهما غير أنه اكتفى بذكر أحدهما ، كما قال : { والله ورسوله أحق أن يرضوه } [ التوبة-62 ] . وقيل : هو ينصرف إلى القمر خاصة لأن القمر يعرف به انقضاء الشهور والسنين ، لا بالشمس . ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلا ، وأسماؤها : الشرطين ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنسر ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك ، والغفر ، والزباني ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعايم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود وسعد الأخبية ، وفرع الدلو المقدم ، وفرع الدلو المؤخر ، وبطن الحوت . وهذه المنازل مقسومة على البروج ، وهي اثنا عشر برجا : الحمل والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . ولكل برج منزلان وثلث منزل ، فينزل القمر كل ليلة منزلا منها ، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين ، وإن كان تسعا وعشرين فليلة واحدة ، فيكون تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يوما ، فيكون انقضاء السنة مع انقضائها . قوله تعالى : { لتعلموا عدد السنين } ، أي : قدر المنازل { لتعلموا عدد السنين } دخولها وانقضاءها ، { والحساب } ، يعني : حساب الشهور والأيام والساعات . { ما خلق الله ذلك } رده إلى الخلق والتقدير ، ولو رده الأعيان المذكورة لقال : تلك . { إلا بالحق } ، أي : لم يخلقه باطلا بل إظهار الصنعة ودلالة على قدرته . { يفصل الآيات لقوم يعلمون } ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ويعقوب : يفصل بالياء ، لقوله : { ما خلق } وقرأ الباقون : نفصل بالنون على التعظيم .
{ 5 - 6 } { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } .
لما قرر ربوبيته وإلهيته ، ذكر الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ذلك وعلى كماله ، في أسمائه وصفاته ، من الشمس والقمر ، والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات ، وأخبر أنها آيات { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } و { لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } .
فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها ، وكيفية استنباط الدليل{[390]} على أقرب وجه ، والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير ، والرهبة من الشر ، الناشئين عن الأدلة والبراهين ، وعن العلم واليقين .
وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة ، دال على كمال قدرة الله تعالى ، وعلمه ، وحياته ، وقيوميته ، وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع والحسن ، دال على كمال حكمة الله ، وحسن خلقه وسعة علمه . وما فيها من أنواع المنافع والمصالح -كجعل الشمس ضياء ، والقمر نورا ، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل- يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه ، وما فيها من التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة .
وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود ، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام ، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة إلا إليه ، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له ، لا لغيره من المخلوقات المربوبات ، المفتقرات إلى الله في جميع شئونها .
وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله ، والنظر فيها بعين الاعتبار ، فإن بذلك تنفتح البصيرة ، ويزداد الإيمان والعقل ، وتقوى القريحة ، وفي إهمال ذلك ، تهاون بما أمر الله به ، وإغلاق لزيادة الإيمان ، وجمود للذهن والقريحة .
{ هو الذي جعل الشمس ضياء } أي ذات ضياء وهو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط والياء فيه منقلبة عن الواو . وقرأ ابن كثير برواية قنبل هنا وفي " الأنبياء " وفي " القصص " " ضئاء " بهمزتين على القلب بتقديم اللام على العين . { والقمر نورا } أي ذا نورا أو سمي نورا للمبالغة وهو أعم من الضوء كما عرفت ، وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور ، وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على أنه خلق الشمس نيرة في ذاتها والقمر نيرا بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها . { وقدّره منازل } الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل ، أو قدره ذا منازل أو للقمر وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منزله وإناطة أحكام الشرع به ولذلك علله بقوله : { لتعلموا عدد السنين والحساب } حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرفاتكم . { ما خلق الله ذلك إلا بالحق } إلا ملتبسا بالحق مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة . { يفصل الآيات لقوم يعلمون } فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها وقرأ ابن كثير والبصريان وحفص " يفصل " بالياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.