الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (5)

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً } بالنهار { وَالْقَمَرَ نُوراً } بالليل . قال الكلبي : تضي وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع .

[ قرأ الأكثرون : ضياءً بهمزة واحدة ] وروي عن ابن كثير : ضياء بهمزت الياء ، ولا وجه لها لأن ياءه كانت واواً مفتوحة ، وهي عين الفعل أصله ضواء فسكنت وجعلت ياءً كما جعلت في الصيام والقيام { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } أي قدر له بمعنى هيأ له وسوى له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها .

وقيل : جعل قدر مما يتعدى لمفعولين ولم يقل قدرهما ، وقد ذكر الشمس والقمر وفيه وجهان : أحدهما أن يكون الهاء للقمر خاصة بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس ، والآخر أن يكون قد اكتفى بذكر أحدهما من الآخر ، كما قال :

{ واللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] وقد مضت هذه المسألة { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ } دخولها وانقضائها { وَالْحِسَابَ } يعني وحساب الشهور والأيام والساعات { مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ } مثل ما في الفصل والخلق والتقدير ، ولولا [ وجود ] الأعيان المذكور لقال : تلك { إِلاَّ بِالْحَقِّ } لم يخلقه باطلا بل إظهاراً لصنعه ودلالة على قدرته وحكمته ، ولتجزى كل نفس بما كسبت فهذا الحق { يُفَصِّلُ الآيَاتِ } يبيّنها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } .

قال ابن كثير وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : { يُفَصِّلُ } بالياء ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله قبله { مَا خَلَقَ اللَّهُ } وبعده { مَا خَلَقَ اللَّهُ } فيكون متبعاً له ، وقرأ ابن السميقع بضم الياء وفتح الصاد ورفع التاء من الآيات على مجهول الفعل ، وقرأ الباقون بالنون على التعظيم .