غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (5)

1

تم عدد بعض نعمه على المكلفين فقال : { هو الذي جعل الشمس ضياء } وهو أجوف واوي مهموز اللام قلبت واوه ياء لكسرة ما قبلها ، ومن قرأ بهمزتين بينهما ألف فمحمول على القلب لأن إذا قدم اللام على العين وقع حرف العلة على الطرف فانقلب همزة وكان في «كساء » . وهو إما أن يكون جمع ضوء كحوض وحياض ، أو مصدر ضاء يضوء مثل قام قياماً وصام صياماً ، ولا بد من تقدير مضاف أي جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور إلا أن يحمل على المبالغة فجعلا نفس الضياء والنور كما يقال للرجل الكريم إنه كرم وجود . والضياء أقوى من النور . ولا خلاف بين العقلاء أن ضوء الشمس كيفية قائمة بها لذاتها ، أما نور القمر فقد ذهب جمهور الحكماء إلى أنه مستفاد من الشمس وبذلك يقع اختلاف أحواله من الهلالية إلى البدرية كما بينا في تفسير قوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة } [ البقرة : 189 ] { وقدره منازل } قال في الكشاف : أي قدّر مسيره منازل أو قدره ذا منازل . ومنزلة القمر المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته الخاصة به وجملتها ثمانية وعشرون وأساميها مشهورة : الشرطين الثريا البطين الخ . وهي كواكب ثابتة معروفة عندهم جعلوها علامات المنازلة ، فنرى القمر كل ليلة نازلاً بقرب أحدها وذلك أنهم قسموا دور الفلك وهو اثنا عشر برجاً على ثمانية وعشرين - عدد أيام القمر - فأصاب كل برج منزلان وثلث فسموا كل منزل بالعلامة التي وقعت وقت التسمية بحذائه . ثم ذكر بعض منافعهما العائدة على المكلفين فقال : { لتعلموا عدد السنين والحساب } حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي . وقد ذكرنا السنة الشمسية والسنة القمرية وكيفية دوران إحداهما على الأخرى في تفسير قوله تعالى : { إن عدة الشهور } [ التوبة : 36 ] الآية فلا حاجة إلى التكرار ، ثم أشار إلى سائر منافعهما وخواصهما بقوله : { ما خلق الله ذلك } المذكور { إلا } ملتبساً { بالحق } والصواب دون الباطل والعبث ، فالشمس سلطان النهار والقمر خليفتها بالليل ، وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى فصولها الأربعة ، وبالفصول تنظم مصالح هذا العالم ويتحصل معايش الخلائق ، وبحركة القمر يحصل الشهور ، وباختلاف حاله في زيادة النور ونقصانه تختلف أحوال الرطوبات إلى غير ذلك من الخواص التي يرشد إليها التأمل والتدبر ولهذا قال : { يفصل الآيات لقوم يعلمون } لأنهم هم الذين ينتفعون بهذه الدلائل . وقيل : المراد بالعلم هاهنا العقل الذي يعم الكل .

/خ10