بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (5)

ثم ذكَّرهم النعم ، لكي يستحيوا منه ولا يعبدوا غيره ، فقال تعالى : { هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء } بالنهار { والقمر نُوراً } بالليل ، ويقال : جعل الشمس ضياء مع الحر والقمر نوراً بلا حر ، { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } ؛ يعني : جعل الليل والنهار منازل يزيد أحدهما وينقص الآخر ، ولا يجاوزان المقدار الذي قدره ؛ ويقال { قَدْرِهِ } يعني : القمر { منازل } كل ليلة بمنزلة من النجوم ، وهي ثمانية وعشرون منزلاً في كل شهر .

وهذا كقوله { والقمر قدرناه مَنَازِلَ حتى عَادَ كالعرجون القديم } [ يس : 39 ] { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب } ؛ يعني : لتعلموا بالقمر حساب السنين والشهور ، كقوله تعالى { يَسْألُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا ولكن البر مَنِ اتقى وَأْتُواْ البيوت مِنْ أبوابها واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ البقرة : 189 ] .

ثم قال : { مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق } ، يعني : لتعلموا عدد السنين والحساب ، وتعتبروا وتعلموا أن له خالقاً ومدبراً وهو قادر على أن يحيي الموتى . ثم قال : { يُفَصّلُ الآيات } ، يعني : يبيِّن العلامات ، يعني : علامة وحدانيته { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، يعني : لمن كان له عقل وذهن وتمييز . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية حفص { يُفَصّلُ الآيات } بالياء ، وقرأ الباقون بالنون ؛ ومعناهما قريب .