التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (5)

قوله تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون 5 إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون } ذلك تنبيه من الله على عظيم قدرته وبالغ علمه وحكمته ، ويتجلى ذلك فيما بينه الله من الدلائل القاطعة من آثار صنعه في الكون على أنه الخالق المبدع الحق . ومن جملة خلقه وإبداعه أنه جعل الشمس ضياء . و { ضياء } ، إما مفعول ثان على أن الجعل بمعنى التصيير . وإما حال على أنه بمعنى الإنشاء{[1941]} .

والضياء والضوء : ما ينير الأشياء . والضوء أقوى من النور وأسطع ؛ فهو الشعاع الصادر عن جرم الشمس بقدرة الله وحكمته . أما النور : فهو الشعاع الصدر عن القمر . والفرق بين الجرمين عظيم وهائل ، وذلك من حيث المساحة والحجم ، ومن حيث النوع والجوهر ؛ فجرم الشمس أكبر من جرم الأرض بمليون ونيف من المرات . لكن القمر أصغر من حجر الأرض بكثير . أما من حيث النوع والجوهر ؛ فإنه الشمس عبارة عن كتلة هائلة لاهبة من النار تبلغ حرارتها آلاف الدرجات ؛ فهي بذلك تشع من لهيبها المضطرم الضياء والحرارة والإشراق . لكن المقر بمثابة العاكس لضياء الشمس ؛ إذ يعكسه على الوجه المقابل له من الأرض ليشع فيه النور الساطع ، قوله : { وقدره منازل } أي جعله ذا منازل ، فأول ما يبدوا دقيقا ثم يطرد في الكبر والتزايد حتى يتسق ويصيرا بدرا . وهو كلما ازداد جرمه المنظور ، ازداد نوره المنبعث المنساب نحو الأرض لينشر فيها الإشعاع الساكن المتلألئ .

قوله : { لتعلموا عدد السنين والحساب } أي حساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي ؛ فإنه بسير القمر تعرف الشهور ، وهي في شريعة الإسلام مبينة على رؤية الأهلية . والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية .

قوله : { ما خلق الله ذالك إلا بالحق } خلق الله هذا النظام الكوني المتسق المطرد الرتيب وفقا للحكمة والصواب وإظهارا لقدرته وعظيم صنعه .

قوله : { يفصل الآيات لقوم يعلمون } أي نبين الحجج والدلائل للمتفكرين أولي العقول النيرة الذين ينتفعون بهذه الدلائل والبينات الواضحات التي تكشف عن حكمة الله البالغة وعظيم صنعه وتقديره .


[1941]:الدر المصون جـ 6 ص 151.