تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (5)

قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) ذكر في الشمس الضياء والقمر النور . فهو ، والله أعلم ، لأن الليل مظلم ، يظهر نور القمر فيه ، ويغلب على ظلمة الليل ، ويقهرها . وأما النهار فهو مبصر على ما ذكر عز وجل ( والنهار مبصرا )[ يونس : 67 ] . جعل فيه النور ، فلو جعل في الشمس النور خاصة لكان [ لا ][ من م ، ساقطة من الأصل ] يظهر نور الشمس خاصة ، ولا غلب نورها على نور النهار ، فكانت تذهب المنافع التي جعل فيها ، وجعل عز وجل بلطفه فيها ضياء ، ليظهر نورها على نور النهار ، ويغلبه ، ويقهره ، لتظهر المنافع التي جعل فيها للخلق ، وهو ما ذكر أنه ( مد الظل )[ الفرقان : 45 ] .

وأخبر أنه لو شاء لجعله ساكنا [ ولو كان ساكنا ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ممتدا على ما جعل بقوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل )[ الفرقان : 45 ] لكان لا يعرف الظل . ثم أخبر أنه جعل الشمس دليلا عليه ليعرف بها الظل الممدود [ فنسخت الشمس ذلك الممدود ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وشيئا بعد شيء ، فصارت الشمس يعرف بها الظل ، وبها يظهر ذلك الضياء الذي في الشمس كان به يعرف نورها من نور [ النهار ][ من م ، ساقطة من الأصل ] وبه يوصل إلى منافع الشمس . ولو كان نورا لكان لا يعرف ولا يظهر ؛ إذ لا يغلب أحدهما صاحبه ، والله أعلم ، ولا تعرف آية الشمس أنها[ في الأصل في ، ساقطة من م ] آية النهار .

ثم جعل آية الشمس غالبة على جميع الآيات ؛ لا تبصر النجوم بالنهار أصلا ، والقمر ، وإن كان يبصر ، ويرى بحال فإن نور الشمس قد يغلبه ، ويقهره ، حتى لا يظهر أبدا .

وقوله تعالى : ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) يشبه أن يكون التقدير الذي ذكر لهما جميعا ، ويعرف الحساب وعدد السنين بهما جميعا ، وكذلك ذكر في حرف حفصة : وقدرهما منازل .

وجائزا أن يكون [ جعل ][ ساقطة من الأصل وم ] الشمس بالذي تعرف بها أوقات الصلاة والأزمنة من الشتاء والصيف ، لا يعرف ذلك بالقمر ، وجعل في القمر معرفة الشهور والسنين ، وفي الشمس معرفة أوقات الصلاة والأزمنة ، لا تعرف الشهور والسنون [ بها ][ ساقطة من الأصل وم ] إلا بعد جهد ، وبالقمر لا تعرف أوقات الصلاة والأزمنة .

جعل الله في الشمس منفعتين : منفعة التقلب ومعرفة الأزمنة ، ومنفعة نضج الأشياء وينعها ، وفي القمر منفعتين أيضا : إحداهما[ في الأصل وم : أحدهما ] معرفة حساب الأيام والشهور والسنين والثانية[ في الأصل وم : و ] منفعة نضج الأنزال والأشياء .

وقوله تعالى : ( لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) ليس أن يُعرف هذا بهما ، ولا يعرف غيره ، بل يعرف ما ذكر وأشياء كثيرة .

وقوله تعالى : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقّ ) قال أبو بكر الأصم الكيساني : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقّ ) أي ما خلق الله ذلك إلا وقد فيه دلالة على معرفته . وقال قائلون : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقّ ) أي ما خلق الله ذلك إلا وقد جعل فيه الشهادة له على الخلق ، وهي شهادة الوحدانية والألوهية . وقال بعضهم : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ ) بالأمر الكائن لا محالة ، وهو البعث .

ويحتمل قوله : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقّ ) أي بالحكمة ، لم يخلق ذلك عبثا باطلا ، وهو كقوله : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا )[ ص : 27 ] ولكن بحكمة .

وقوله تعالى : ( يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) قيل : يبين ، أو يصرفها لقوم ينتفعون بعلمهم . إنما ذكر الآيات في ما ذكر الآيات ( لقوم يعقلون )[ البقرة : 164أو . . ] و( لقوم يتفكرون )[ الرعد : 3و . . . ] و( لقوم يفقهون )[ الأنعام : 98 ] الآيات التي ينتفعون بها ، ويعقلون الشيء ؛ إنما يعقلون ، يكون للذي ينتفع به لا للذي لا ينتفع به .