السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (5)

{ هو الذي جعل الشمس ضياءً } أي : ذات ضياء { والقمر نوراً } أي : ذا نور ، وخص الشمس بالضياء ؛ لأنها أقوى وآكد من النور ، وخص القمر بالنور ؛ لأنه أضعف من الضياء ، لأنّ الشمس نيرة في ذاتها ، والقمر نير بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها . وقرأ قنبل بهمزة مفتوحة ممدودة بعد الضاد ، والباقون بياء مفتوحة ، والضمير في قوله تعالى : { وقدّره منازل } يرجع إلى الشمس والقمر ؛ أي : قدّر مسير كل واحد منهما منازل ، أو قدّره ذا منازل ، أو يرجع إلى القمر فقط ، وتخصيصه بالذكر لسرعة مسيره ومعاينة منازله ، وإناطة أحكام الشرع به ، ولذلك علله بقوله تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } أي : حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرّفاتكم ؛ لأنّ الشهور المعتبرة في الشريعة مبنية على رؤية الأهلة ، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية ، كما قال تعالى : { إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله } [ التوبة : 36 ] .

فائدة : منازل القمر ثمانية وعشرون منزلاً ، وأسماؤها : السرطان ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعوّا ، والسماك ، والغفر ، والزباني ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدلو المقدّم ، وفرغ الدلو المؤخر ، وبطن الحوت . وهذه المنازل مقسومة على البروج وهي اثنا عشر برجاً : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . فلكل برجٍ منزلان وثلث ، فينزل القمر في كل ليلة منها منزلاً ، فيستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين ، وإن كان تسعاً وعشرين فليلة واحدة ، فيكون انقضاء الشهر مع نزوله تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يوماً ، فيكون انقضاء السنة مع انقضائها ، أو انتفاع الخلق بضوء الشمس ، وبنور القمر عظيم ، فالشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى هذه الفصول الأربعة ، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العالم ، وبسبب الحركة اليومية يحصل النهار والليل ، والنهار يكون زماناً للتكسب وللطلب ، والليل يكون زماناً للراحة .

{ ما خلق الله ذلك } المذكور . { إلا بالحق } أي : لم يخلق ذلك باطلاً ولا عبثاً تعالى الله عن ذلك إظهاراً لقدرته ، ودلائل وحدانيته . ونظيره قوله تعالى في آل عمران : { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً } [ آل عمران : 191 ] . وقال تعالى في سورة أخرى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا } [ ص ، 27 ] . { يفصل } أي : يبين { الآيات } أي : الدلائل الباهرة واحدة في إثر واحدة بياناً شافياً . { لقوم يعلمون } فإنهم المنتفعون بالتأمّل فيها . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بالياء ، والباقون بالنون .