معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (70)

قوله تعالى : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } ، يعني : الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزؤوا بها ، وتلاعبوا عند ذكرها ، وقيل : إن الله تعالى جعل لكل قوم عيداً ، فاتخذ كل قوم دينهم أي : عيدهم لعباً ولهواً ، وعيد المسلمين الصلاة وتكبيراتها ، وفعل الخير ، مثل الجمعة ، والفطر ، والنحر .

قوله تعالى : { وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به } . أي : وعظ بالقرآن .

قوله تعالى : { أن تبسل } ، أي : لأن لا تبسل ، أي : لا تسلم .

قوله تعالى : { نفس } ، للهلاك .

قوله تعالى : { بما كسبت } ، قاله مجاهد وعكرمة والسدي : وقال ابن عباس : تهلك ، وقال قتادة : أن تحبس ، وقال الضحاك : تحرق ، وقال ابن زيد : تؤخذ ، ومعناه : ذكرهم ليؤمنوا ، كيلا تهلك نفس بما كسبت ، وقال الأخفش : تبسل ، تجازى ، وقيل : تفضح ، وقال الفراء : ترتهن ، وأصل الإبسال التحريم ، والبسل الحرام ، ثم جعل نعتاً لكل شدة تتقى وتترك .

قوله تعالى : { ليس لها } ، أي لتلك النفس .

قوله تعالى : { من دون الله ولي } ، قريب .

قوله تعالى : { ولا شفيع } ، يشفع لها في الآخرة .

قوله تعالى : { وإن تعدل كل عدل } ، أي : تفد كل فداء .

قوله تعالى : { لا يؤخذ منها } ، هنا .

قوله تعالى : { أولئك الذين أبسلوا } ، أسلموا للهلاك .

قوله تعالى : { بما كسبوا ، لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (70)

{ 70 } { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }

المقصود من العباد ، أن يخلصوا لله الدين ، بأن يعبدوه وحده لا شريك له ، ويبذلوا مقدورهم في مرضاته ومحابه . وذلك متضمن لإقبال القلب على الله وتوجهه إليه ، وكون سعي العبد نافعا ، وجدًّا ، لا هزلا ، وإخلاصا لوجه الله ، لا رياء وسمعة ، هذا هو الدين الحقيقي ، الذي يقال له دين ، فأما من زعم أنه على الحق ، وأنه صاحب دين وتقوى ، وقد اتخذ دينَه لعبا ولهوا . بأن لَهَا قلبُه عن محبة الله ومعرفته ، وأقبل على كل ما يضره ، ولَهَا في باطله ، ولعب فيه ببدنه ، لأن العمل والسعي إذا كان لغير الله ، فهو لعب ، فهذا أَمَر الله تعالى أن يترك ويحذر ، ولا يغتر به ، وتنظر حاله ، ويحذر من أفعاله ، ولا يغتر بتعويقه عما يقرب إلى الله .

{ وَذَكِّرْ بِهِ } أي : ذكر بالقرآن ، ما ينفع العباد ، أمرا ، وتفصيلا ، وتحسينا له ، بذكر ما فيه من أوصاف الحسن ، وما يضر العباد نهيا عنه ، وتفصيلا لأنواعه ، وبيان ما فيه ، من الأوصاف القبيحة الشنيعة ، الداعية لتركه ، وكل هذا لئلا تبسل نفس بما كسبت ، أي : قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرئه على علام الغيوب ، واستمرارها على ذلك المرهوب ، فذكرها ، وعظها ، لترتدع وتنزجر ، وتكف عن فعلها .

وقوله { لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ } أي : قبل [ أن ] تحيط بها ذنوبها ، ثم لا ينفعها أحد من الخلق ، لا قريب ولا صديق ، ولا يتولاها من دون الله أحد ، ولا يشفع لها شافع { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } أي : تفتدي بكل فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا { لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا } أي : لا يقبل ولا يفيد .

{ أُولَئِكَ } الموصوفون بما ذكر { الَّذِينَ أُبْسِلُوا } أي : أهلكوا وأيسوا من الخير ، وذلك { بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ } أي : ماء حار قد انتهى حره ، يشوي وجوههم ، ويقطع أمعاءهم { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (70)

{ وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا } أي بنوا أمر دينهم على التشهي وتدينوا بما لا يعود عليهم بنفع عاجلا وآجلا ، كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب ، أو اتخذوا دينهم الذي كلفوهم لعبا ولهوا حيث سخروا به ، أو جعلوا عيدهم الذي جعل ميقات عبادتهم زمان لهو ولعب . والمعنى أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم ، ويجوز أن يكون تهديدا لهم كقوله تعالى : { وغرتهم الحياة الدنيا } حتى أنكروا البعث . { وذكر به } أي بالقرآن . { أن تبسل نفس بما كسبت } مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترهن بسوء عملها . وأصل الأبسال والبسل المنع ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه ، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وهذا بسل عليك أي حرام . { ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع } يدفع عنها العذاب . { وإن تعدل كل عدل } وإن تفد كل فداء والعدل الفدية لأنها تعادل المفدي وها هنا الفداء وكل نصب على المصدرية . { لا يؤخذ منها } الفعل مسند إلى منها لا إلى ضميره بخلاف قوله : { ولا يؤخذ منها عدل } فإنه المفدى به . { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا } أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة . { لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون } تأكيد وتفصيل لذلك ، والمعنى هم بين ماء مغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم .