لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (70)

{ وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } الخطاب للنبي . يعني : وذر يا محمد هؤلاء المشركين الذين اتخذوا دينهم الذي أمروا به ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعباً ولهواً وذلك حيث سخروا به واستهزؤوا به وقيل إنهم اتخذوا عبادة الأصنام لعباً ولهواً . وقيل : إن الكفار إذا سمعوا القرآن لعبوا ولهوا عند سماعه . وقيل إن الله جعل لكل قوم عيداً فاتخذ كل قوم دينهم يعني عيدهم لعباً ولهواً يلعبون ويلهون فيه إلا المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة وتكبيراً وفعل الخير فيه مثل عيد الفطر وعيد النحر ويوم الجمعة { وغرتهم الحياة الدنيا } يعني أنهم اتخذوا دينهم لعباً ولهواً لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا وغلب حبها على قلوبهم فأعرضوا عن دين الحق واتخذوا دينهم لعباً ولهواً ومعنى الآية : وذَرْيا محمد الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً واتركهم ولا تبالِ بتكذيبهم واستهزائهم وهذا يقتضي الإعراض عنهم ثم نسخ ذلك الإعراض بآية السيف وهو قول قتادة والسدي . وقيل : إنه خرج مخرج التهديد فهو كقوله { ذرني ومن خلقت وحيداً } وهذا قول مجاهد فعلى هذا تكون الآية محكمة . وقيل : المراد بالإعراض عنهم : ترك معاشرتهم ومخالطتهم لا ترك الإنذار والتخويف ويدل عليه قوله : { وذكر به } يعني وذكر بالقرآن وعِظْ به هؤلاء المشركين { أن تبسل نفس بما كسبت } أي لئلا تبسل نفس وأصل البسل في اللغة : التحريم وضم الشيء ومنعه . وهذا عليك بسل : أي حرام ممنوع . فمعنى تبسل نفس بما كسبت : ترتهن وتحبس في جهنم وتحرم من الثواب بسب بما كسبت من الآثام .

وقال ابن عباس : تبسل تهلك . وقال قتادة : تحبس يعني في جهنم . وقال الضحاك : تحرق بالنار . وقال ابن زيد : تؤخذ يعني بما كسبت . وقيل : تفضح . والمعنى : وذكرهم بالقرآن ومواعظه وعرفهم الشرائع لكي لا تهلك نفس وترتهن في جنهم بسبب الجنايات التي اكتسبت في الدنيا وتحرم الثواب في الآخرة { ليس لها } يعني لتلك النفس التي هلكت { من دون الله ولي } أي قريب يلي أمرها { ولا شفيع } يعني يشفع لها في الآخرة { وإن تعدل كل عدل } يعني وإن تفتد بكل فداء والعدل الفداء { لا يؤخذ منها } يعني العدل وتلك الفدية { أولئك الذين } إشارة إلى الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا { أبسلوا بما كسبوا } يعني أسلموا إلى الهلاك بسبب ما اكتسبوا { لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون } ذلك لهم بسبب كفرهم .