تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (70)

الآية 70 وقوله تعالى : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا } [ فيه وجهان :

أحدهما ]{[7238]} : أي وذر الذين اتخذوا لعبا ولهوا دينا لهم على التقديم والتأخير .

والثاني : اتخذوا اللعب واللهو دينهم حتى لا يفارقوا اللعب واللهو ؛ لأن الدين إنما يتخذ للأبد . فعلى ذلك اتخذ{[7239]} أولئك اللعب واللهو للأبد كالدين . ثم هو يخرج على وجوه :

أحدها : اتخذوا دينهم عبادة ما لا ينفع ، ولا يضر ، ولا يبصر ، ولا يسمع ، ولا يعلم ، ومن عنده{[7240]} ، هذا وصفه ، واتخذ ذلك دينا ، فهو عابث لاعب .

والثاني : اتخذوا دينهم ما هوته أنفسهم ، ودعتهم الشياطين إليه ، ومن اتخذ دينه بهوى نفسه وما دعته نفسه إليه ، فهو عابث لاعب .

والثالث : صار دينهم لعبا وعبثا لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث . ومن لم يقصد بدينه الذي دان به عاقبة فهو عابث مبطل كقوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } الآية : { المؤمنون : 115 ] صير عدم الرجوع إليه عبثا .

وقوله تعالى : { وغرتهم الحياة الدنيا } أي شغلهم ما اختاروا من الحياة الدنيا والميل إليها عن النظر في الآيات والبراهين والحجج ، أو أن يكون قوله : { وغرتهم } أي اغتروا بالحياة الدنيا ؛ أضاف{[7241]} التغرير إلى الحياة الدنيا لما بها اغتروا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت } قيل { وذكر به } قبل { أن تبسل نفس بما كسبت } وإنما يذكرهم بهذا لئلا يقولوا غدا : { إنا كنا عن هذا غافلين } [ الأعراف : 172 ] وأصل الإبسال الإهلاك أو الإسلام للجناية والهلاك . ثم اختلف في قوله : { أن تبسل نفس بما كسبت } :

عن ابن عباس [ رضي الله عنه أنه ]{[7242]} قال : أن تفضح نفس بما كسبت . وقيل { تبسل } تؤخذ ، وتحبس ، وهو قول قتادة ، وكذلك قال في قوله تعالى : { أبسلوا بما كسبوا } . وعن ابن عباس رضي الله [ أنه قال ]{[7243]} { أبسلوا } أي فضحوا على ما قال في { تبسل } . وعن الحسن [ أنه قال ]{[7244]} : { تبسل } أي تسلم للهلكة . وعن الكيساني : [ أنه قال ]{[7245]} { تبسل } تجزى { نفس بما كسبت } . وقال الفراء : { تبسل } توهن .

وأصل الإبسال هو الإسلام ؛ وتفسيره ما ذكر على إثره ، وهو قوله تعالى : { ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع } كما يكون بعضهم شفيعا لبعض في الدنيا وأعوانا لهم وأنصارا في دفع المضار أو المظالم عنهم وجر المنافع إليهم . وأما في الآخرة فإن كل نفس تسلم بما كسبت/ 151-ب/ لا شفيع لها ، ولا ولي كقوله تعالى : { يوم يفر المرء من أخيه } [ عبس : 34 ] وكقوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة } [ البقرة : 167 ] وغير ذلك من الآيات تسلم كل نفس إلى كسبها ؛ لا شفيع لها ، ولا ولي .

وقوله تعالى : { وذكر به } يحتمل بالقرآن والآيات . ويحتمل { به } أي بالله ، أي عظ به [ قبل ]{[7246]} أن تهلك { نفس بما كسبت } .

وقوله تعالى : { وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها } اختلف فيه : قال بعضهم : العدل الفداء ، يقول : وإن فدت نفس كل الفداء لتتخلص مما حمل بها لم يؤخذ ، ولم يقبل منها ذلك . وقال الحسن : العدل كل عمل البر والخير ، أي وإن عملت كل عمل البر والخير من الفداء والتوبة لم يقبل منها ذلك .

يخبر أن الدار الآخرة ليست بدار العمل ، ولا يقبل فيها الرشا كما تقبل في الدنيا . وأخبر ألا يكون شفعاء ، يشفعون{[7247]} لهم ، ولا أولياء ينصرونهم . ليست{[7248]} كالدنيا ؛ لأن من أصابه في هذه الدنيا شيء ، أو حل به عذاب أو غرامة فإنما يدفع بإحدى هذه الخلال : إما{[7249]} بشفعاء يشفعونه وإما{[7250]} بأولياء ينصرونه وإما{[7251]} بالرشا .

فأخبر أن الآخرة ليست بدار تقبل فيها الرشا ، فتدفع ما حل بهم ، أو أولياء ينصرونهم في دفع ذلك ، أو شفعاء يشفعونهم . فإن قيل : ما معنى ذكر العدل والفداء ، وليس عنده ما يفدي وما يبذل وما يمكن من العمل ؟ قيل : معناه ، والله أعلم ، أي لو مكن لهم من الفداء ما يفدون في دفع ذلك عن أنفسهم ، ومكن لهم من العمل ما لو عملوا ، لم يقبل ذلك منهم .

وقوله تعالى : { لهم شراب من حميم } قيل : الحميم هو ماء حار ، ينتهي حره ، يغلي ما في البطن إذا وصل إليه ، فيشبه أن يكون لهم من الشراب ما ذكر لو تناولوا في الدنيا من الشراب المحرم ، فكان لهم في الآخرة الحميم مكان ذلك والعذاب الأليم لما أعطوا أنفسهم في الدنيا من الشهوات واللذات جزاء ذلك .


[7238]:- ساقطة من الأصل وم.
[7239]:- في الأصل وم: اتخذوا.
[7240]:- في الأصل وم: عندهن.
[7241]:- أدرج بعدها في الأصل: إلى.
[7242]:- ساقطة من الأصل وم .
[7243]:- ساقطة من الأصل وم.
[7244]:- ساقطة من الأصل وم .
[7245]:- ساقطة من الأصل وم .
[7246]:- ساقطة من الأصل وم .
[7247]:- في الأصل وم: فيشفعون.
[7248]:- في الأصل وم: ليس.
[7249]:- في الأصل وم: وإما.
[7250]:- في الأصل وم: أو.
[7251]:- في الأصل وم: أو.