معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

قوله تعالى : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } قيل : معناه إن الساعة آتية أخفيها ( وأكاد ) صلة . وأكثر المفسرين قالوا : معناه أكاد أخفيها من نفسي وكذلك في مصحف أبي بن كعب وفي مصحف عبد الله بن مسعود ( أكاد أخفيها ) من نفسي ، فكيف يعلمها مخلوق وفي بعض القراءة ، فكيف أظهرها لكم . وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون : كتمت سرك في نفسي أي : أخفيته غاية الإخفاء والله عزتعالى لا يخفى عليه شيء . وقال الأخفش ( أكاد ) أي أريد ومعنى الآية : أن الساعة آتية أريد أخفيها والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت . وقرأ الحسن : بفتح الألف أي : أظهرها ، يقال : خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته قوله تعالى : { لتجزى كل نفس بما تسعى } أي : بما تعمل من خير وشر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

{ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ } أي : لا بد من وقوعها { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي : عن نفسي كما في بعض القراءات ، كقوله تعالى : { يَسْأَلَكَ الناس عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله } وقال : { وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } فعلمها قد أخفاه عن الخلائق كلهم ، فلا يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، والحكمة في إتيان الساعة { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } من الخير والشر ، فهي الباب لدار الجزاء { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

وقوله : { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ } أي : قائمة لا محالة ، وكائنة لا بد منها .

وقوله : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } قال الضحاك ، عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها : " أكاد أخفيها من نفسي " ، يقول : لأنها لا تخفى من نفس الله أبدًا .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : من نفسه . وكذا قال مجاهد ، وأبو صالح ، ويحيى بن رافع .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } يقول : لا أطلع عليها أحدًا غيري .

وقال السدي : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله عنه علم الساعة ، وهي في قراءة ابن مسعود : " إني أكاد أخفيها من نفسي " ، يقول : كتمتها عن الخلائق ، حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت .

وقال قتادة : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } وهي في بعض القراءة أخفيها من نفسي ، ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ، ومن الأنبياء والمرسلين .

قلت : وهذا كقوله تعالى : { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ } [ النمل : 65 ] وقال : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } [ الأعراف : 187 ] أي : ثقل علمها على أهل السموات والأرض .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة حدثنا مِنْجَاب ، حدثنا أبو نُمَيْلة ، حدثني محمد بن سهل الأسدي ، عن وِقَاء قال : أقرأنيها سعيد بن جبير( أكاد أَخْفيها ) ، يعني : بنصب{[19232]} الألف وخفض الفاء ، يقول : أظهرها ، ثم [ قال ]{[19233]} أما سمعت قول الشاعر{[19234]} .

دَأبَ شَهْرَين ، ثم شهرًا دَمِيكًا . . . بأريكَين يَخْفيان غَميرًا . . .

وقال الأسدي : الغمير : نبت رطب ، ينبت في خلال يبس . والأريكين : موضع ، والدميك : الشهر التام . وهذا الشعر لكعب بن زهير .

وقوله سبحانه وتعالى : { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } أي : أقيمها لا محالة ، لأجزي كل عامل بعمله ، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ، 8 ] و{ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 16 ] .


[19232]:في أ: "ونصب".
[19233]:زيادة من ف.
[19234]:هو كعب بن زهير، والبيت في ديوانه (ص174) أ.هـ مستفادا من حاشية الشعب.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

في قوله { إن الساعة آتية } تحذير ووعيد ، أي اعبدني فإن عقابي وثوابي بالمرصاد ، و { الساعة } في هذه الآية القيامة بلا خلاف ، وقرأ ابن كثير والحسن وعاصم{[8087]} «أكاد أخفيها » بفتح الهمزة بمعنى أظهرها أي أنها من صحة وقوعها وتيقن كونه تكاد تظهر لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم ، والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ]

خفاهن من أنفاقهن كأنما . . . خفاهن ودق من سحاب مجلّب{[8088]}

ومنه قوله أيضاً : [ المتقارب ]

فإن تدفنوا الداء لا نخفه . . . وإن توقدوا الحرب لا نقعد{[8089]}

قال أبو علي : المعنى : أزيل خفاءها ، وهو ما تلف به القربة ونحوها . وقرأ الجمهور «أُخفيها » بضم الهمزة ، واختلف المتأولون في معنى الآية فقالت فرقة : معناه أظهرها وأخفيت من الأضداد ، وهذا قول مختل ، وقالت فرقة معناه ، { أكاد أخفيها } من نفسي على معنى العبارة من شدة غموضها على المخلوقين ، فقالت فرقة : المعنى { إن الساعة آتية أكاد } وتم الكلام بمعنى { أكاد } أنفذها لقربها وصحة وقوعها ثم استأنف الإخبار بأن يخفيها{[8090]} ، وهذا قلق ، وقالت فرقة { أكاد } زائدة{[8091]} لا دخول لها في المعنى بل تضمنت الآية الإخبار بأن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها عن الناس ، وقالت فرقة { أكاد } بمعنى أريد ، فالمعنى أريد إخفاءها عنكم { لتجزى كل نفس بما تسعى } واستشهد قائل هذه المقالة بقول الشاعر : [ الكامل ]

كادت وكدت وتلك خير إرادة . . . {[8092]} وقد تقدم هذا المعنى ، وقالت فرقة { أكاد } على بابها بمعنى أنها متقاربة ما لم يقع ، لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها ، فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ قوله تعالى في إبهام وقتها فقال { أكاد أخفيها } حتى لا تظهر البتة ولكن ذلك لا يقع ولا بد من ظهورها ، هذا تلخيص هذا المعنى الذي أشار إليه بعض المفسرين وهو الأقوى عندي ، ورأى بعض القائلين بأن المعنى { أكاد أخفيها } من نفسي ما في القول من القلق فقالوا معنى من نفسي من تلقائي ومن عندي ع وهذا رفض للمعنى الأول ورجوع إلى هذا القول الذي اخترناه أخيراً فتأمله ، واللام في قوله { لتجزى } متعلقة ب { آتية } وهكذا يترتب الوعيد . و { تسعى } معناه تكسب وتجترح .


[8087]:أي: في رواية أبي بكر عنه، أما رواية حفص فهي بالضم كالجمهور.
[8088]:البيت من قصيدة امرئ القيس (خليلي مرا بي على أم جندب) التي قالها في وصف الفرس، وعارضه علقمة بأخرى مثلها، وفضلت (أم جندب) زوجة امرئ القيس علقمة على زوجها، فطلقها. وضمير الفاعل في (خفاهن) يعود على الفرس الذي يصفه امرئ القيس، أما المفعول فيها عائد على (اليرابيع) التي عبر عنها بالفأر في البيت السابق، ومعنى خفاهن: أخرجهن أو أظهرهن، والأنفاق: جمع نفق، وهو السرب تحت الأرض، يريد الأنفاق التي اختبأت فيها الفئران تحت الأرض، والودق: المطر، والمجلب: الذي له جلبة وضجيج، وروي: "من سحاب مركب"، يقول: إن الفرس من شدة جريه وركضه قد أخرج الفئران من أنفاقها، كأنما أخرجها دوي المطر الشديد وجلبته. والشاهد أن (خفى) بمعنى: أظهر وأخرج.
[8089]:هذا البيت أنشده الفراء في (معاني القرآن)، وهو في اللسان، والتاج، والقرطبي، ومجاز القرآن، والطبري، وهو من قصيدة امرئ القيس التي يتهدد فيها بني أسد، والتي بدأها بقوله: تطاول ليلك بالإثمد ونام الخلي ولم ترقد ورواية الفراء (لا نخفه) بفتح النون، من خفيته أخفيه، وهذا هو موضع الشاهد هنا كما أراد ابن عطية، ولكن البيت روي بضم النون في (لا نخفه)، ومعناها: لا نظهره، كما قال الطبري، وقال: إن الذين وجهوا الإخفاء في هذا الموضع إلى الإظهار اعتمدوا على ما ذكروا من سماعهم هذا البيت على ما وصفت من ضم النون، ولكن الصواب أنه بفتح النون". والآراء كثيرة في معنى قوله تعالى: {أكاد أخفيها}. وقد ذكر المؤلف أكثرها.
[8090]:واستشهدوا لذلك بقول ضابئ بن الحارث البرجمي: هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي أقاربه وذلك أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد تأديبه لفحشه وهجائه للناس، فلما دعي ليقابل الخليفة ربط سكينا إلى ساقه ليقتله بها، لكن أمره افتضح فضرب ووضع في السجن، وقد مات فيه. والشاهد في قوله: (كدت)، أي: كدت أفعل ما نويت من قتل عثمان، وعلى هذا قالوا: إن معنى الآية: إن الساعة آتية أكاد آتي بها، ثم ابتدأ سبحانه وتعالى فقال: ولكني أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى.
[8091]:كذلك استشهد هؤلاء بكثير من الشعر، ومما استشهدوا به قول ذي الرمة: إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح والنأي: البعد، ورسيس الهوى: أوله، أو ما خفي منه، أو مسه، فالمعنى عندهم: "لم يبرح رسيس الهوى من حب مية" وعلى هذا تكون (يكد) زائدة، ويؤيد هذا الرواية الأخرى التي ذكرها اللسان في البيت، وهي: (لم أجد رسيس الهوى)، والحقيقة أن لهذه الرواية خبرا، فقد انتقد ابن شبرمة قاضي البصرة ذا الرمة حين سمعه ينشد القصيدة في المربد، فعدل ذو الرمة إلى الرواية الثانية، لكن أكثر النقاد قالوا: إن بديهة ذي الرمة في الرواية الأولى أجود من رويته وتفكيره في الثانية، وقالوا: إن معنى لم يكد): لم يقرب، وإن نفي مقاربة الشيء أبلغ من = نفي الشيء، فيكون معنى البيت: إذا غير البعاد قلوب المحبين فبعاد مية عني لا يذهب بما أحس لها من حب مقيم، ولا يقارب حتى أن يذهب به.
[8092]:هذا صدر بيت، وهو بتمامه: كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من عهد الصبابة ما مضى وقد سبق الاستشهاد به عند تفسير قوله تعالى: {تكاد السماوات يتفطرن منه} الآية (90) من سورة (مريم) ـ وهو في اللسان (كيد)، وهو شاهد على أن (كاد) بمعنى (أراد)، ومثله في ذلك ما أنشده أبو بكر للأفوه الأودي: فإن تجمع أوتاد وأعمدة وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا أي: الأمر الذي أرادوا. (راجع اللسان والتاج).