قوله عز وجل :{ مثل الذين حملوا التوراة } ، أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها ، { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها ولم يؤدوا حقها ، { كمثل الحمار يحمل أسفاراً } ، أي كتباً من العلم ، واحدها سفر ، قال الفراء : هي الكتب العظام يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها ، كذلك اليهود يقرؤون التوراة ولا ينتفعون بها لأنهم خالفوا ما فيها ، { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء عليهم السلام ، يعني من سبق في علمه أنه لا يهديهم .
{ 5-8 } { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة ، الذين ابتعث فيهم النبي الأمي ، وما خصهم الله به من المزايا والمناقب ، التي لا يلحقهم فيها أحد وهم الأمة الأمية الذين فاقوا الأولين والآخرين ، حتى أهل الكتاب ، الذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون والأحبار المتقدمون ، ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى ، وأمرهم أن يتعلموها ، ويعملوا بما فيها{[1095]} ، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به ، أنهم لا فضيلة لهم ، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم ، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره ؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك ؟ أم حظه منها حملها فقط ؟ فهذا مثل علماء اليهود{[1096]} الذين لم يعملوا بما في التوراة ، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والبشارة به ، والإيمان بما جاء به من القرآن ، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحجة عليه ؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم .
بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به .
{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : لا يرشدهم إلى مصالحهم ، ما دام الظلم لهم وصفًا ، والعناد لهم نعتًا .
يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ، فلم يعملوا بها ، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ، أي : كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها ، فهو يحملها حملا حسيا{[28815]} ولا يدري ما عليه . وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه ، حفظوه لفظا ولم يفهموه{[28816]} ولا عملوا بمقتضاه ، بل أولوه وحرفوه وبدلوه ، فهم أسوأ حالا من الحمير ؛ لأن الحمار لا فهمَ له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف : 179 ] وقال هاهنا : { بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا ابن نُمَير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له " أنصت " ، ليس له جمعة " {[28817]}
مثل الذين حملوا التوراة علموها وكلفوا العمل بها ثم لم يحملوها لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها كمثل الحمار يحمل أسفارا كتبا من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها ويحمل حال والعامل فيه معنى المثل أو صفة إذ ليس المراد من الحمار معينا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله أي مثل الذين كذبوا وهم اليهود المكذبون بآيات الله الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون الذين صفة للقوم والمخصوص بالذم محذوفا والله لا يهدي القوم الظالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.