فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

{ مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } ضرب سبحانه لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلاً فقال : { مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة } أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } أي لم يعملوا بموجبها ولا أطاعوا ما أمروا به فيها { كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } هي جمع سفر وهو الكتاب الكبير لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ . قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبل ؟ فهكذا اليهود . وقال الجرجاني : هو يعني حملوا من الحمالة بمعنى الكفالة : أي ضمنوا أحكام التوراة ، وقوله : { يَحْمِلُ } في محلّ نصب على الحال ، أو صفة للحمار إذ ليس المراد حماراً معيناً ، فهو في حكم النكرة كما في قول الشاعر :

ولقد أمر على اللئيم يسبني *** فمضيت ثم وقلت لا يعنيني

{ بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بئايات الله } أي بئس مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، على أن التمييز محذوف ، والفاعل المفسر به مضمر ، و { مثل القوم } هو المخصوص بالذم ، أو { مثل القوم } فاعل { بئس } ، والمخصوص بالذمّ الموصول بعده على حذف مضاف : أي مثل الذين كذبوا ، ويجوز أن يكون الموصول صفة للقوم ، فيكون في محل جرّ ، والمخصوص بالذمّ محذوف ، والتقدير : بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء { والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين } يعني : على العموم ، فيدخل فيهم اليهود دخولاً أوّلياً .

/خ8