الآية 5 وقوله تعالى : { مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها } له أوجه من التأويل :
أحدها : يحتمل أن يكون هذا كناية عن العمل ؛ يعني حمّلوا العمل بما في التوراة ، فلم يعملوا به{[21214]} .
والثاني : أن يقول : { لم يحملوها } يعني لم يحملوها إلى من أمروا بحملها إليهم على ما أمروا ، لأنهم حرّفوا وبدّلوا .
[ والثالث ]{[21215]} : يجوز أن يكون تأويله ، والله أعلم ، أنهم كذبوا بالتوراة ، وتلقّوها بالعناد والتكذيب ، فلم ينتفعوا بها ، فمثلهم كمثل الحمار ، يحمل كتبا ، لا يعلم قدرها وخطرها كما قال { كمثل الحمار يحمل أسفارا } لأنهم ، وإن عرفوا التوراة ، فحين لم يعظموها حق تعظيمها ، وكذبوا بما فيها ، كانوا كأنهم لا يعرفون قدرها وخطرها ، فصار مثلهم كمثل الحمار يحمل الكتب ، لا يعلم قدرها وخطرها .
وهذا التأويل أقرب لأنه قال في سياق هذه الآية : { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } فثبت أن المعنى من الأول التكذيب ، والله أعلم .
قال : ثم معلوم أن هذا التكذيب والتحريف إنما كان من عمل كبرائهم ورؤسائهم ، فأخبر أنهم كذبوا ، ولم يعرفوا قدرها حين كذبوا ليزجروا منفعتهم عن أتباعهم ، وبين أن رؤساءهم ليسوا ممن يستحقون الأتباع .
وفيه أيضا زجر للمسلمين أن يستخفوا كتاب الله [ وألا يعملوا ]{[21216]} بما فيه ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول : بئس النعت والصفة صفة الذين بلغ كذبهم مبلغا كذبوا على الله ، لأن الكاذب في الميعاد موصوف بالشر . إذا بلغ كذبه مبلغا ، يكذب على الله تعالى ، علم أنه في النهاية في الشر ؛ وكأنه يقول : صفة الذين كذبوا على الله في الغاية من الشر والقبح .
[ والثاني ]{[21217]} : يقول { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } لأن الله تعالى ضرب أمثال المشركين بكل ما يستخبث ، ويستقبح ، وضرب أمثال المؤمنين بكل حسن وطيب ؛ فقال : المثل يعني السنة التي هي سنة الله تعالى [ ومثل المكذبين ]{[21218]} بآياته : سنة قبح .
ثم في هذه الآية دلالة أن الله تعالى ، يخلق القبيح والحسن والخبيث والطيب جميعا ، لأن قوله : { بئس مثل القوم } وذلك المثل الذي شبههم به مما خلقه ، وقد سماه : بئسا ، فثبت أن الله تعالى قد خلق الخبيث والطيب والقبيح والحسن .
وعند المعتزلة لم يخلق إلا الحسن ، فتكون الآية حجة عليهم .
وقوله تعالى : { والله لا يهدي القوم الظالمين } له تأويلان :
أحدهما : أنه { لا يهدي القوم الظالمين } لوقت اختيارهم الظلم والفسق ، أولا يهديهم بظلمهم الآيات ومكابرتهم وعنادهم إياها ، فهولا يهدي هؤلاء .
[ والثاني : ]{[21219]} أما من ظلم عن جهل أو فسق ، ثم استرشد ، فإنه يهديه ، ويرشده ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.