السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

ولما ترك اليهود العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ضرب الله تعالى لهم مثلاً بقوله تعالى : { مثل الذين حملوا التوراة } أي : كلفوا وألزموا حمل الكتاب الذي آتاه الله تعالى لبني إسرائيل على لسان موسى عليه الصلاة والسلام ، بأن علمهم إياها سبحانه وكلفهم حفظ ألفاظها عن التغيير والنسيان ومعانيها عن التحريف والتلبيس ، وحدودها وأحكامها عن الإهمال والتضييع { ثم لم يحملوها } أي : بأن حملوا ألفاظها ولم يعملوا بما فيها من الوصية باتباع عيسى عليه الصلاة والسلام إذا جاءهم ، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا جاء فهي ضارة لهم بشهادتها عليهم فإذا لهم النار من غير نفع أصلاً { كمثل } أي : مثلهم مثل { الحمار } أي : الذي هو أبلد الحيوان فهو مثل في الغباوة حال كونه { يحمل أسفاراً } أي : كتباً كباراً من كتب العلم جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير المسفر عما فيه ، في عدم الانتفاع بها لأنه يمشي ولا يدري منها إلا ما يضر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ومثل ذلك قول الشاعر :

زوامل للأسفار لا علم عندهم *** بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا *** بأحماله أو راح ما في الغرائر

من إنشاد الشيخ ابن الخباز . { بئس مثل القوم } أي : الذين لهم قوة شديدة على محاولة ما يريدون { الذين كذبوا } أي : محمداً على علم { بآيات الله } أي : دلالات الملك الأعظم على رسوله ، ولاسيما محمد صلى الله عليه وسلم والمخصوص بالذم محذوف تقديره : هذا المثل { والله } أي : الذي له جميع صفات الكمال { لا يهدي القوم } أي : لا يخلق الهداية في قلوب الذين تعمدوا الزيغ { الظالمين } أي : الذين تعمدوا الظلم بمنابذة الهدى الذي هو البيان ، الذي لم يدع لبساً حتى صار الظلم لهم صفة راسخة .