إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

{ مَثَلُ الذين حُمّلُوا التوراة } أي عُلِّمُوهَا وكُلِّفُوا العملَ بهَا { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } أيْ لَمْ يعملُوا بِمَا في تضاعِيفِها منَ الآياتِ التي منْ جُملتِها الآياتُ الناطقةُ بنبوةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم { كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } أيْ كتباً منَ العلمِ يتعبُ بحملِهَا ولا ينتفعُ بهَا ، ويحملُ إمَّا حالٌ والعاملُ فيهَا مَعْنَى المَثلِ أو صفةٌ للحمارِ إذْ ليسَ المرادُ بهِ معيناً فهُو في حكمِ النكرةِ كمَا في قولِ مَنْ قالَ : [ الكامل ]

وَلَقَدْ أمرُّ عَلى اللئيمِ يَسُبُّنِي *** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني{[783]}

{ بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُوا بآيات الله } أيْ بئسَ مثلاً مثلُ القومِ الذينَ كذَّبُوا بآياتِ الله ، عَلى أنَّ التمييزَ محذوفٌ والفاعلَ المُفسَّرَ بهِ مستترٌ . ومثلُ القومِ هُو المخصوصُ بالذمِّ والموصولُ صفةٌ للقومِ . أو بئسَ مثلُ القومِ مثلُ الذينَ كذَّبوا إلخ على أنَّ مثلُ القومِ فاعلُ بئسَ والمخصوصُ بالذمِّ الموصولُ بحذفِ المضافِ أو بئسَ مثلُ القومِ المكذبينَ مثلُ هؤلاءِ على أنَّ الموصولَ صفةُ القومِ والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ وهم اليهودُ الذينَ كذَّبُوا بمَا في التوراةِ من الآياتِ الشاهدةِ بصحةِ نبوةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } الواضعينَ للتكذيبِ في موضعِ التصديقِ أو الظالمينَ لأنفسِهِم بتعريضِهَا للعذابِ الخالِدِ .


[783]:وهو لرجل من سلول في الدرر (1/78)؛ والكتاب (3/24)؛ والمقاصد النحوية (4/58)؛ ولشمر ابن عمرو الحنفي في الأصمعيات (ص126)؛ ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري (ص 171)؛ وبلا نسبة في الأزهية (ص263)؛ والأشباه والنظائر (3/90)، والأضداد (ص132)؛ وأوضح المسالك (3/206)؛ وجواهر الأدب (ص307). ولسان العرب(ثمم)، (مني).