معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

قوله تعالى : { قالوا } يعني : السحرة { لن نؤثرك } لن نختارك { على ما جاءنا من البينات } يعني : الدلالات ، قال مقاتل : يعني اليد البيضاء والعصا . وقيل : كان استدلالهم أنهم لو كان هذا سحراً فأين حبالنا وعصينا ؟ وقيل : من البينات يعني : من اليقين والعلم . حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال : إنهم لما ألقوا سجداً ما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ، ورأوا ثواب أهلها ، ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات { والذي فطرنا } يعني : لن نؤثرك على الله الذي فطرنا وقيل : هو قسم { فاقض ما أنت قاض } يعني : فاصنع ما أنت صانع { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يعني : أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

ولهذا لما عرف السحرة الحق ، ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق ، أجابوه بقولهم :

{ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ } أي : لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب ، على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده ، المعظم المبجل وحده ، وأن ما سواه باطل ، ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا ، هذا لا يكون { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ } مما أوعدتنا به من القطع ، والصلب ، والعذاب .

{ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي : إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا ، ينقضي ويزول ولا يضرنا ، بخلاف عذاب الله ، لمن استمر على كفره ، فإنه دائم عظيم .

وهذا كأنه جواب منهم لقوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } وفي هذا الكلام ، من السحرة ، دليل على أنه ينبغي للعاقل ، أن يوازن بين لذات الدنيا ، ولذات الآخرة ، وبين عذاب الدنيا ، وعذاب الآخرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم ، هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل ، و{ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ } أي : لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين . { وَالَّذِي فَطَرَنَا } يحتمل أن يكون قسمًا ، ويحتمل أن يكون معطوفًا على البينات .

يعنون : لا{[19431]} نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، المبتدئ خلقنا من الطين ، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت .

{ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ } أي : فافعل ما شئت وما وَصَلَت إليه يدك ، { إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي : إنما لك تَسَلُّط في هذه الدار ، وهي دار الزَّوال ونحن قد رغبنا في دار القرار . {[19432]}


[19431]:في ف، أ: "لن".
[19432]:في أ: "البقاء"
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هََذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ * إِنّآ آمَنّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ } .

يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعّدهم به : لَنْ نُؤْثِرَكَ فنتبعك ونكذّب من أجلك موسى عَلى ما جاءَنا مِنَ البّيّناتِ يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى . وَالّذِي فَطَرَنا يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات ، وعلى الذي فطرنا . ويعني بقوله : فَطَرنا : خلقنا ، فالذي من قوله : وَالّذِي فَطَرنا خفض على قوله : ما جاءَنا ، وقد يحتمل أن يكون قوله : وَالّذِي فَطَرنا خفضا على القسم ، فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والله . وقوله : " فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ " يقول : فاصنع ما أنت صانع ، واعمل بنا ما بدا لك إنما تَقْضِي هَذِهِ الحَياةَ الدّنيا يقول : إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى . ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه " لَنْ نُؤْثرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيّناتِ وَالّذِي فَطَرَنا " أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة . " فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ " : أي اصنع ما بدا لك . " إنّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدّنيا " أي ليس لك سلطان إلا فيها ، ثم لا سلطان لك بعده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

قال السحرة لفرعون لما تدعوهم { لن نؤثرك } أي نفضلك ونفضل السلامة منك على ما رأينا من حجة الله تعالى وآياته { البينات } وعلى { الذي فطرنا } هذا على قول جماعة أن الواو في قوله { والذي فطرنا } عاطفة ، وقالت فرقة هي واو القسم ، و { فطرنا } معناه خلقنا واخترعنا فافعل يا فرعون ما شئت وإنما قضاؤك في هذه الحياة الدنيا والآخرة من وراء ذلك لنا بالنعيم ولك بالعذاب وهؤلاء السحرة اختلف الناس هل نفذ فيهم وعيد فرعون فقالت طائفة صلبهم على الجذوع كما قال فأصبح القوم سحرة وأمسوا شهداء بلطف الله لهم وبرحمته ، وقالت فرقة إن فرعون لم يفعل ذلك وقد كان الله تعالى وعد موسى أنه ومن معه الغالبون .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله محتمل وصلب السحرة وقطعهم لا يدفع في أن موسى ومن معه غلب إلا بظاهر العموم والانفصال عن ذلك بين .