الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

قوله تعالى : " قالوا " يعني السحرة " لن نؤثرك " أي لن نختارك " على ما جاءنا من البينات " قال ابن عباس : يريد من اليقين والعلم . وقال عكرمة وغيره : لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة ، فلهذا قالوا " لن نؤثرك " . وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب ، فقيل لها : غلب موسى وهارون ، فقالت : آمنت برب موسى وهارون . فأرسل إليها فرعون فقال : انظروا أعظم صخرة فإن مضت{[11125]} على فولها فألقوها عليها ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها{[11126]} روح . وقيل : قال مقدم السحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى : انظر إلى هذه الحية هل تخوفت{[11127]} فتكون جنيا أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع ، فقال : ما تخوفت ، فقال : آمنت برب هارون وموسى . " والذي فطرنا " قيل : هو معطوف على " ما جاءنا من البينات " أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا . وقيل : هو قسم أي والله لن نؤثرك . " فاقض ما أنت قاض " التقدير ما أنت قاضيه . وليست " ما " ها هنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر ؛ لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بابتداء وخبر . قال ابن عباس : فاصنع ما أنت صانع . وقيل : فاحكم ما أنت حاكم ؛ أي من القطع والصلب . وحذفت الياء من قاض الوصل لسكونها وسكون التنوين . واختار سيبويه إثباتها في الوقف ؛ لأنه قد زالت علة الساكنين . " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " أي إنما ينفذ أمرك فيها . وهي منصوبة على الظرف ، والمعنى : إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا . أو وقت هذه الحياة الدنيا ، فتقدر حذف المفعول . ويجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا ، فتنتصب انتصاب المفعول و " ما " كافة لإن . وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل " ما " بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت " هذه الحياة الدنيا " .


[11125]:في ب وأ وجـ و ط و ك: مرت.
[11126]:في أ وب و ط و ك و ي: وليس فيها روح.
[11127]:في ب و جـ و ط: "تجوفت ـ أو لم تتجوف ـ ما تجوفت" الجيم.